الجمعة، 06 يونيو 2025

01:36 ص

محمد حامد يكتب: فردوس محمد.. الأم التى غمرت شاشة السينما بالطيبة

الإثنين، 02 يونيو 2025 09:29 ص

محمد حامد

محمد حامد

لم تكن "فردوس محمد" مجرد ممثلة ذات وجه مألوف وطيب على شاشة السينما المصرية، بل كانت تجسيداً حقيقياً للأمومة بكل ما تحمله كلمة "الأمومة" من حنان وقلق وتضحية. 

وُلدت "فردوس محمد" فى حى المغربلين بالقاهرة عام 1906، وتوفى والدها ووالدتها وهى لا تزال طفلة ذات ثلاث سنوات، فتولى تربيتها الشيخ "على يوسف" مؤسس جريدة (المؤيد)، الذى ألحقها بمدرسة إنجليزية بحى الحلمية، فتعلمت القراءة والكتابة والتدبير المنزلى. 

عشقت "فردوس محمد" الفن والتقليد فى سن صغيرة، ولكنها قبل أن تُكمل سن الرابعة عشر قامت الأسرة التى كانت تُقيم معها بتزويجها من أحد الشباب، عاشت معه 5 سنوات لم تنجب خلالها، وأساء زوجها معاملتها بشدة وانتهى هذا الزواج بالطلاق وهى فى سن التاسعة عشر. 

وبعد طلاقها بحثت عن عمل لتنفق منه على نفسها، فعرضت عليها زوجة جارها الذى يعمل فى فرقة عكاشة المسرحية أن تعمل بالفرقة، فرحبت بهذا العرض الذى يوافق موهبتها وحبها للفن، وبدأت العمل فى الفرقة بمرتب 3 جنيهات، وتألقت فى أدوارها وحققت نجاحاً كبيراً على المسرح.

ومن المسرح التقطتها السينما وبالتحديد المخرج "محمد كريم" حيث رشحها لأول أدوارها فى فيلم "دموع الحب" (1935)، لتتوالى بعد ذلك مشاركاتها وتتعدد أدوارها فى السينما لتصل لأكتر من 130 فيلما، صنعت من خلالها لنفسها مكانة خاصة كرمز للزوجة والأم المصرية فى كل حالاتها: الصارمة والطيبة، البسيطة والأرستقراطية، المتعلمة والأمية، الجادة والكوميدية.

شاركت فردوس محمد فى مجموعة من أهم أفلام السينما المصرية، من بينها "سلامة فى خير"، "أبوحلموس" ، "غزل البنات" ، "سيدة القطار" ، "فاطمة" ، "فيروز هانم" ، "طاقية الإخفاء" ، "عودة طاقية الإخفاء" ، "المهرج الكبير" ، صراع فى الميناء" ، "الطريق المسدود" ، "احنا التلامذة" ، "رد قلبي" ، "سيدة القصر" ، "ابن النيل" ، "شباب امرأة" ، "أين عمرى" ، "بياعة التفاح" ، "سفير جهنم" ، "عفريتة إسماعيل يس" ، "عنتر وعبلة" ، "عنتر بن شداد" وهو آخر أفلامها على شاشة السينما.

كانت فردوس محمد أماً حنوناً لكل الفنانين والفنانات الذين تعاونت معهم، وحظيت بينهم بمكانة كبيرة، فكانت صديقة مُقربة وأم للفنانة فاتن حمامة التى جمعتها بها صلة قوية منذ طفولتها (قامت بدور أمها فى أول ظهور لفاتن حمامة فى فيلم "يوم سعيد" عام 1940)، كما كانت فردوس محمد ترتبط بعلاقة صداقة قوية بكوكب الشرق أم كلثوم وتعتبرها أقرب صديقاتها.

ونظراً لمكانة "فردوس محمد" بين الفنانين، قامت نقابة الممثلين بتكريمها فى أول احتفال بعيد الأم وتسلمت التكريم وهى لا تتمالك دموعها وسط تصفيق الجميع.

تزوجت فردوس محمد من المونولوجست والممثل محمد إدريس (الشيخ مأذون فى فيلم “آه من حواء”، وفى فيلم “الزوجة الثانية”، والسفرجى فى فيلم "الأيدى الناعمة")، وكان زواجاً صورياً فى البداية ولكنه تحول إلى قصة حب ووفاء حتى آخر العمر. ففى عام 1946 قررت فرقة فوزى نجيب السفر إلى فلسطين لعرض مسرحياتها هناك، وكان القانون المصرى آنذاك يمنع الفنانات غير المتزوجات من السفر. ولكى تتمكن فردوس محمد من السفر تزوجت من زميلها فى الفرقة محمد إدريس، ودام زواجهما خمسة عشر عاماً انتهى بوفاة فردوس محمد عام 1962 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين عاماً بعد صراع مع مرض السرطان اللعين.

ورغم ما تردد طويلًا عن أن فردوس محمد لم تُرزق بأبناء، فإن الحقيقة كانت مختلفة. فقد أنجبت فردوس محمد ثلاثة من الأبناء، لكن الموت خطفهم منها وهم أطفال صغار. وعندما أنجبت ابنتها "نانى" أخفت الخبر عن الجميع حتى أقرب أصدقائها، وعندما كبرت الفتاة أدعت فردوس محمد إنها تبنت الطفلة حتى تنقذها من مصير أخوتها. هكذا أعتقدت وهكذا عاشت مع ابنتها بعيداً عن عيون الجميع. كان قرارها نابعًا من غريزة الأمومة الخائفة، وربما كان هذا هو السر فى نظرتها الحنونة التى جعلت أدوارها تمس قلوب الملايين.

رحلت فردوس محمد لكنها لم تغب أبداً عن وجدان جمهورها الذى أحبها، وأحب فيها الأمومة والطيبة والحكمة، وشعر فى كل مشهد يراها فيه بالمحبة والأمان.

search