الجمعة، 13 يونيو 2025

02:38 م

محمد مطش يكتب.. العادات والتقاليد على مفترق الطرق

الخميس، 12 يونيو 2025 10:08 ص

محمد مطش

الكاتب محمد مطش

الكاتب محمد مطش

في عالم يتغير بسرعة تفوق الخيال، تبقى العادات والتقاليد صدى الزمن الجميل، وروح المجتمعات التي تمنحها هوية تميزها عن غيرها. 

إنها تلك الممارسات الاجتماعية والثقافية التي تنتقل من جيل إلى آخر، جاعلة من الذاكرة الجمعية خزانًا ثريًا بالقيم والدروس، ولكنها في الوقت ذاته تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة تهدد حضورها وديمومتها، في ظل تطور رقمي مذهل وعصر يسير بسرعة الضوء.
تعد العادات والتقاليد مجموعة من السلوكيات والممارسات المتكررة التي توارثها الأفراد داخل المجتمع عبر الأجيال، وتشمل مظاهر الحياة اليومية، كاللباس والطعام والاحتفالات، وكذلك المعتقدات والقيم الاجتماعية التي تنظم العلاقات بين الناس. 

وتُعد هذه العادات مرآة تعكس تاريخ المجتمع وتجاربه، وتشكل قاعدة أخلاقية وسلوكية تسهم في بناء شخصية الفرد والجماعة.
كما ان نقل هذه التقاليد من جيل إلى آخر لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة حرص الكبار على تعليم الصغار من خلال الحكايات، والمواقف، والمناسبات الاجتماعية، والتفاعل اليومي، فالأم كانت تُلقّن ابنتها فنون الطهي واللباس، والأب يعلم أبناءه كيف يتعاملون مع الضيوف ويحترمون الكبير، والمدرسة تُكمل هذا الدور بالتربية على القيم الوطنية والدينية.

ورغم ان الحفاظ على العادات والتقاليد ليس بالأمر الهين، ويحتاج تضافر جميع القائمين على منظومة التربية والتعليم بدء من البيت مرورًا بجميع الهيئات والمؤسسات المعنية بتعليم وتربية الأجيال، إلا أنه ومع دخولنا في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبح الحفاظ على هذه العادات تحديًا يتطلب وعيًا جماعيًا فالأجهزة الذكية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والعولمة الثقافية، ساهمت في تراجع دور الأسرة كمصدر أساسي للتربية، وأصبحت المعلومات والثقافات المستوردة تتسرب إلى عقول الأجيال الجديدة بسهولة.

 لكن هذا لا يعني الاستسلام، فالحفاظ على التقاليد في عصر الحداثة ممكن إذا ما أحسنا استخدام أدوات العصر نفسه يمكن تحويل وسائل التواصل من أدوات لطمس الهوية إلى منصات لنشر التراث، وتوثيق الحكايات الشعبية، وتعريف الأجيال الجديدة بموروثها الثقافي من خلال مقاطع فيديو، أو تطبيقات تعليمية، أو فعاليات افتراضية تعيد إحياء المناسبات القديمة بطرق عصرية.

وأمام العادات والتقاليد اليوم جملة من التحديات، أبرزها تغريب الهوية الثقافية، والانبهار بالغرب، وانتشار مفاهيم فردية تدعو إلى القطيعة مع الماضي بحجة الحرية والتطور، كما أن بعض العادات نفسها لم تعد تتناسب مع متطلبات الحياة العصرية، مما خلق فجوة بين الأجيال، وجعل بعض الشباب يشعرون بأن تلك التقاليد عبء عليهم لا رابط روحي.

 إضافة إلى ذلك، نجد أن تسارع نمط الحياة، وتفكك الروابط الأسرية، والهجرة إلى المدن، وضعف المشاركة في المناسبات الاجتماعية التقليدية، أدى إلى تآكل بعض العادات أو اندثارها.

لذا أصبح من الأهمية بمكان أن نُعيد النظر في كيفية التعامل مع تراثنا الاجتماعي فليس كل ما ورثناه بالضرورة يصلح للتطبيق الحرفي في كل زمان، ولكن الكثير منه يحمل حكمًا وتجارب وقيمًا لا تُقدّر بثمن. 

كما يجب أن نميز بين العادات الإيجابية التي تعزز الترابط والتكافل، وبين تلك التي تتنافى مع الحقوق أو العقلانية. فعلى سبيل المثال، احترام الكبير، صلة الرحم، إكرام الضيف، التعاون بين الجيران، كلها قيم يمكن أن تستمر بأشكال جديدة تواكب العصر.

 بينما يمكن التخلي عن بعض العادات التي تعيق تطور الفرد، مثل بعض أشكال التمييز أو العادات الاجتماعية التي تفرض قيودًا غير مبررة. فالاعتدال هو كلمة السر، لا إفراط يقدّس الماضي ويجمّده، ولا تفريط يهدم كل ما بناه الأجداد.

وفي نهاية المطاف تبقى العادات والتقاليد ليست مجرد طقوس موروثة، بل هي روح تسكن المجتمعات وجسر يربط الماضي بالحاضر. فالحفاظ على الأعراف والتقاليد يعني الحفاظ على الهوية الثقافية، وعلى النسيج الاجتماعي المتماسك.

 وفى غياب هذه الأعراف، تحدث فجوة هوية تؤدي إلى فقدان الانتماء، وتفكك الأسرة، وضعف العلاقات الاجتماعية، وربما انهيار المجتمع في جوانب عديدة. لذلك، فإن التوازن بين احترام الموروث والانفتاح على الحداثة هو ما سيحفظ للمجتمعات استقرارها وتماسكها، ويجعلها قادرة على مواجهة التحديات دون أن تفقد جذورها.

search