الجمعة، 27 يونيو 2025

11:37 م

محمد مطش يكتب: من الفراغ إلى الإبداع.. قصة نجاح

الجمعة، 27 يونيو 2025 07:46 م

محمد مطش

محمد مطش

مع حلول العطلة الصيفية، تبدأ العائلات في البحث عن طرق مثالية لإشغال أوقات الفراغ لدى أطفالهم بعيدًا عن الملل والكسل، فالصيف ليس مجرد وقت للراحة من الدراسة، بل هو مساحة ذهبية يمكن استثمارها في تنمية مهارات الطفل والنشء، واكتشاف طاقاتهم الإبداعية الكامنة، مما يساعد على بناء شخصيات قوية ومؤثرة في المستقبل. 

فالاستغلال الأمثل للعطلة الصيفية لا يعني فقط إشغال الوقت، بل يعني توجيه الطفل نحو نشاطات مفيدة تصقل مهاراته وتغذي عقله وروحه، ومن أبرز الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك ممارسة الرياضة فهي من أهم الأنشطة التي ينبغي أن يُشجّع الطفل على ممارستها خلال الصيف، حيث تعزز الصحة الجسدية والنفسية، وتعلّمه الانضباط، العمل الجماعي، والمثابرة. 

سواء أكانت سباحة، كرة قدم، كاراتيه، أو حتى المشي اليومي، فإن النشاط البدني يصقل الشخصية بقدر ما يقوي الجسم، كذلك تشجيع القراءة الحرة فالصيف فرصة رائعة لتنمية عادة القراءة لدى الأطفال، بعيدًا عن ضغط المناهج الدراسية، ويمكن للآباء اختيار كتب مشوقة تناسب أعمار أطفالهم، مع مراعاة تنوع الموضوعات من القصص الخيالية إلى كتب التاريخ المصورة أو العلوم المبسطة فالقراءة تنمي الخيال، وتوسع مدارك الطفل، وتغني مفردات، كذلك الفنون والرسم والموسيقى يمكن أن تشكّل الفنون نافذة مهمة للتعبير عن الذات. 

فكثير من الأطفال يمتلكون طاقات إبداعية لا يمكن اكتشافها إلا من خلال الرسم، الأشغال اليدوية، أو العزف على آلة موسيقية. حيث إن تنمية الذوق الفني في سن مبكرة يخلق شخصية متوازنة، حساسة للجمال، وأكثر قدرة على التعبير عن الذات. 

وأيضاً الأنشطة التطوعية أو المشروعات الصغيرة في سن المراهقة تحديدًا، حيث يمكن تشجيع النشء على المشاركة في أنشطة اجتماعية أو بيئية بسيطة. كما يمكن تحفيزهم على بدء مشروعات صغيرة كمبادرة بيع منتجات يدوية أو تنظيم ورش تعليمية لأقرانهم، ما يعزز لديهم روح المسؤولية والاستقلال. كما ان ورش العمل الصيفية تعد خيارًا مثاليًا لدمج الطفل في بيئة تفاعلية مليئة بالتجارب، فسواء كانت ورشة للرسم، الكتابة الإبداعية، البرمجة، المسرح، أو حتى الحرف اليدوية، فهي تتيح للطفل تعلم مهارات جديدة، وتمنحه الثقة بالنفس، وتعزّز حس المبادرة والتفاعل الاجتماعي. كما أن هذه الورش تُقدَّم غالبًا بأسلوب مرح وتحفيزي، مما يجعل الطفل أكثر قابلية للتعلم والنمو.
ان كل طفل يحمل بداخله موهبة فريدة تنتظر من يكتشفها، وقد لا تظهر هذه الموهبة في الإطار الأكاديمي المدرسي التقليدي، بل في الأوقات الحرة كفترة الصيف. وهنا يأتي دور الأهل والمربين في مراقبة اهتمامات الطفل، والانتباه لنقاط قوته، والعمل على تنميتها. هل هو شغوف بالرسم؟ هل يكتب القصص؟ هل يصنع أشياء من الخشب أو الورق؟ إن التعرف المبكر على الموهبة واحتضانها هو أول خطوة في صناعة شخصية متميزة قادرة على الابتكار.
وعلى الجانب الاخر فان الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية يعد واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الأسر خلال العطلة الصيفية، فعلى الرغم أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، فإن ترك الطفل فريسة للشاشات لساعات طويلة يشكل خطرًا كبيرًا. 

من جهة، فقد يتعرض لمحتوى غير مناسب يؤثر على سلوكياته وأفكاره، ومن جهة أخرى يعتاد الانعزال والوحدة ويقل تواصله مع الواقع والمجتمع المحيط. ايضاً أن الاستخدام المفرط للأجهزة يقلل من رغبة الطفل في اللعب الواقعي، أو ممارسة الأنشطة البدنية والفنية، بل ويؤثر على قدرته على التركيز والنوم. من هنا، يجب أن يكون للأهل دور رقابي وتوجيهي، بحيث يُخصص وقت محدود ومنظم لاستخدام التكنولوجيا، مع تقديم بدائل أكثر فائدة ومتعة في نفس الوقت.
ختاماً إن الاستغلال الأمثل لأوقات الفراغ، خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة، ليس رفاهية بل ضرورة. فهذه المرحلة هي حجر الأساس في تشكيل شخصية الإنسان، وهي الوقت الأمثل لغرس القيم، وتنمية المهارات، وصقل المواهب. ومن هنا، فإن توجيه الأطفال والنشء نحو أنشطة مفيدة في العطلة الصيفية هو استثمار حقيقي في المستقبل، لبناء جيل واعٍ، مستنير، مبدع، قادر على الإنتاج لا الاستهلاك فقط.
وبينما قد تختلف الإمكانيات من أسرة لأخرى، تبقى النية الصادقة والرغبة في التطوير هي ما يصنع الفارق. فلنحرص جميعًا على أن تكون عطلة الصيف موسمًا للإبداع، لا مجرد راحة من الدراسة، وأن نصنع من أوقات الفراغ فرصًا لصقل العقول وتنمية الأرواح.

search