الخميس، 10 يوليو 2025

08:08 م

محمد مطش يكتب: الزيادة السكانية.. الخطر الصامت الذي يسرق فرص الحياة

الخميس، 10 يوليو 2025 09:57 ص

محمد مطش

محمد مطش

تُعد الزيادة السكانية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في العصر الحديث، فبينما تُظهر بعض الدول تحسنًا ملحوظًا في معدلات النمو السكاني، تُواجه أخرى تحديات كبيرة بسبب النمو السكاني السريع. فما هي أبعاد هذه الظاهرة، وما تأثيراتها على الأمن البيئي والغذائي والتعليم، وكيف يمكن مواجهتها؟

تعرف الزيادة السكانية بأنها ارتفاع عدد الأفراد في منطقة معينة خلال فترة زمنية محددة، نتيجة الفارق بين معدلات المواليد والوفيات، بالإضافة إلى حركة الهجرة. وتُقاس هذه الزيادة بمعدل النمو السكاني، الذي يُظهر التغير النسبي في عدد السكان خلال فترة معينة. وفي المجتمعات العربية، تعرف معدلات النمو السكاني بأنها من بين الأعلى عالميًا. فالإحصائيات السكانية في الدول العربية تشير الى ان مصر يبلغ عدد السكان أكثر من 105 ملايين نسمة، بمعدل نمو سنوي يقدر بنحو 1.4%، مما يضيف حوالي 1.5 مليون نسمة سنويًا، كما ان السعودية على سبيل المثال أيضا تشهد نموًا سكانيًا سنويًا يقارب 2%، نتيجة ارتفاع معدلات الولادات والهجرة. لذا فإن النمو السكاني السريع والمستمر في العديد من الدول العربية، يُشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن البيئي والغذائي والتعليمي، إذ يؤدي تزايد السكان إلى مشاكل عدة منها؛ الضغط على الموارد البيئية حيث تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق جفافًا في العالم، وتعاني من شح في المياه الصالحة للشرب والزراعة. ويعتبر تزايد السكان عبئا كبيرا يزيد من استهلاك المياه ويؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية وارتفاع معدلات التصحر، مما يهدد الأمن الغذائي، أيضا انعدام الأمن الغذائي، فمعظم الدول العربية تعتمد على الاستيراد لتغطية احتياجاتها الغذائية بسبب محدودية الإنتاج المحلي. هذا الاعتماد الكبير يجعل الدول عرضة لتقلبات الأسواق العالمية وأزمات الغذاء المحتملة، مما يزيد من معدلات الفقر وسوء التغذية. كذلك أزمة التعليم، فالاكتظاظ السكاني يولد ضغطًا على نظم التعليم، مما يؤثر على جودة التعليم وانخفاض معدلات الالتحاق، خاصة في المناطق الفقيرة والريفية، كما يزيد من معدلات التسرب المدرسي ويحد من فرص التنمية البشرية. كما ان البطالة أيضا هي أحد نتائج الزيادة السكانية لان ارتفاع أعداد الشباب يزيد من المنافسة على الوظائف المتاحة، خصوصًا مع تباطؤ النمو الاقتصادي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة التي تصل في بعض الدول العربية إلى أكثر من 25%، أيضا التحديات الصحية هي نتاج للزيادة العددية للسكان، حيث ان زيادة عدد السكان يضع عبئًا كبيرًا على خدمات الرعاية الصحية، ويؤدي إلى نقص في المرافق الطبية، وزيادة انتشار الأمراض المزمنة والمعدية.

ولوضع حل لهذه الكارثة الإنسانية والمأساة الحياتية، لابد ان يصبح تنظيم النسل ضرورة لا غنى عنها، لتحقيق التنمية المستدامة، فتنظيم النسل يتيح للأسر التخطيط لحجمها بما يتناسب مع إمكانياتها، ويُحسن صحة الأمهات والأطفال، ويخفف الضغط على الخدمات الأساسية.

يجب كذلك تبني سياسات تحفيزية للمواطنين على الاستثمار في التعليم والصحة، لتقليل معدلات الإنجاب، وتعزيز فرص التنمية الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية خاصة في المدن التي تشهد توسعًا سكانيًا سريعًا، لضمان جودة الحياة، وحماية البيئة من خلال اعتماد أساليب زراعية مستدامة، وتحسين إدارة الموارد المائية والطاقة.

هذه الأمور حتمية ولابد من العمل عليها وتطبيقها، لأنه إذا استمر النمو السكاني دون تناسب مع الموارد والفرص المتاحة، فإن النتائج ستكون كارثية، منها تفاقم الفقر والجوع مع عدم توفر الغذاء الكافي خاصة في المناطق الريفية والهشة. وتدهور البنية التحتية بسبب ازدحام المدن وارتفاع معدلات الفقر، يزيدان من المشكلات السكانية الصحيحة، والاضطرابات الاجتماعية، لان ارتفاع البطالة والفقر يؤديان إلى زيادة معدلات الجريمة وعدم الاستقرار السياسي. بالإضافة الى الكثير من الأمور النفسية والاجتماعية والاقتصادية، التي ستنعكس سلبا في حال وجود ارتفاع في عدد السكان وقلة في الموارد.

 لذلك أصبح التوعية بخطورة الزيادة السكانية مسؤولية مشتركة بين عدة جهات عديدة منها؛ الحكومات من خلال وضع وتنفيذ سياسات تنظيم الأسرة، وتوفير خدمات الصحة الإنجابية. أيضا المجتمع المدني والمؤسسات الدينية عبر المساهمة والمشاركة الفاعلة في نشر الوعي وتغيير المفاهيم التقليدية التي تدعم الإنجاب غير المخطط. كذلك المدارس ووسائل الإعلام لهم دور حيوي لتثقيف الأجيال الجديدة حول أهمية تنظيم النسل وتأثيرات الزيادة السكانية.

 ان الزيادة السكانية ليست مجرد تحدٍ عددي، بل هي قضية وجودية تمس حياة الإنسان ومستقبل مجتمعاتنا، فلا يمكننا أن نعيش حياة كريمة، نظيفة، منظمة، خالية من الفقر والجوع والمرض، إلا إذا أدركنا حجم الخطر، وعملنا معًا بجد للحد من التزايد السكاني، وتنظيم مواردنا بكفاءة. لنعمل على بناء مجتمعات متوازنة تضمن حقوق الإنسان في الصحة والتعليم والعمل، وتحمي بيئتنا التي هي أساس الحياة. المستقبل بيدنا، فلنحافظ عليه لأجيال قادمة تستحق أن تعيش في عالم أفضل.

search