الأربعاء، 16 يوليو 2025

12:09 ص

محمد حامد يكتب: منير مراد.. عندما يكون الفنان شاملاً

الثلاثاء، 15 يوليو 2025 09:30 ص

محمد حامد

محمد حامد

فى ذاكرة الفن المصرى، أسماء كثيرة لمعت وسكنت وجدان الجماهير، لكن القليل منها امتلك الموهبة الشاملة التى جمعت بين الإبداع الموسيقى، والحضور التمثيلى، والقدرة على التجديد. أحد هؤلاء كان الفنان منير مراد، الذى تنقّل بين عوالم الغناء والتلحين، والاستعراض والتمثيل، ومساعدة الإخراج والإنتاج والتأليف، ومع ذلك لم ينل ما يستحقه من تقدير، ربما لأن الأضواء كانت مسلطة دائماً على شقيقته (قيثارة الشرق) "ليلى مراد".

وُلد موريس زكى مراد مردخاى (منير مراد) فى عام 1922 لعائلة فنية يهودية مصرية، وتلقى تعليمه فى مدرسة الفرير ثم التحق بالكلية الفرنسية. 

لم يُكمل منير مراد تعليمه، وبدأ يعمل أعمالا بسيطة فى السينما، بدأها كعامل كلاكيت ثم مساعد مخرج مع المخرج كمال سليم (مخرج فيلم العزيمة)، ثم عمل مساعداً للمخرج توجو مزراحى، ثم فطين عبدالوهاب الذى أصبح فيما بعد زوج شقيقته. ورغم أنه بدأ مسيرته كمساعد مخرج، فإن موهبته الموسيقية كانت تدفعه نحو التلحين والغناء والتمثيل، ليبدأ بعدها رحلته الحقيقية مع الفن.

ساعد منير مراد فى إخراج عشرات الأفلام الهامة نذكر منها "ليلى بنت الريف" و"ليلى بنت الفقراء" و"عنبر" و"غزل البنات" و"حبيب الروح"، وكانت هذه الأفلام من بطولة شقيقته ليلى مراد. كما ساعد فى إخراج أفلام "سلاَّمة" و"طلاق سعاد هانم" و"ليلة العيد" و"ليلة الحنة" و"البطل" و"مسمار جحا". وفى منتصف الخمسينات قرر منير مراد التوقف عن العمل كمساعد مخرج ليتفرغ للتلحين.

ومن اللافت أننا إذا دققنا فى تترات (مقدمة) الأفلام التى شارك فيها منير مراد كمساعد مخرج، سوف نلاحظ ظهور اسمه على الشاشة موريس مراد حتى عام 1948 بفيلم "عنبر"، وظهر اسمه لأول مرة “منير مراد” على التترات بفيلم «غزل البنات» عام 1949.

شارك منير مراد بالتمثيل فى سبعة أفلام منهم فيلمان من بطولته وهما "أنا وحبيبى" (1953) وكان من تأليفه وإنتاجه ومن إخراج كامل التلمسانى. ونجح الفيلم نجاحاً كبيرا وقتها. الفيلم الثانى هو "نهارك سعيد" (1955) من إخراج فطين عبدالوهاب. كما كان له دور مميز فى فى نفس العام فى فيلم "موعد مع إبليس" للمخرج كامل التلمسانى. أما الأربعة أدوار الأخرى فى أفلام "أشهدوا يا ناس" و"ليلة العيد" و"ابن عنتر" "بنت الحتة" فكانت أدواراً صغيرة جداً.

قرر منير مراد ترك التمثيل والإخراج فى منتصف الخمسينات, والتركيز على التلحين الذى أبدع فيه وقدم أعمالاً مميزة بالرغم من صعوبة البدايات. اتجه منير مراد فى بدايته للتلحين على موسيقى الچاز التى كانت رائجة وقتها فى الغرب، ولكنه واجه صعوبات في الترويج لها وإقناع المنتجين بها إلى أن كانت بدايته الحقيقية بأغنية "واحد.. اتنين" لشادية ضمن أحداث فيلم "ليلة الحنة" والتي فتحت أمامه الطريق أمام المطربين ومنتجى الأفلام ليسندوا إليه تلحين العديد من الأغانى وموسيقى الأفلام.

وكان منير مراد رائداً من رواد الموسيقى الراقصة والاستعراضية في مصر حيث وضع أشهر موسيقى الرقصات والاستعراضات التي كانت تؤديها تحية كاريوكا ونعيمة عاكف وسامية جمال. وقام هو شخصياً بتقديم عدة استعراضات فنية ضمن أفلامه مثل استعراض تقليد الفنانين (محدش شاف – هنا القاهرة) واستعراض "أنا وحبيبى" واستعراض "يا مصر قومى وانهضى" واستعراض "إحنا تلاتة" والذى شاركته فيه الفنانة زينات علوى والفنان محمد التابعى.

وكان ارتباط صوت شادية  بألحان منير مراد علامة فارقة فى تاريخ الاثنين حيث غنت شادية أغنيات ناجحة فى معظم أفلامها من ألحانه منها "واحد .. أتنين"، "ألو .. ألو"، "تعالى أقولك"، "دور عليه"، "سوق على مهلك"، "يا دبلة الخطوبة"، "يا حبيبى عودلى تانى"، إيرما لا دوس" وغيرها من الأغانى الخفيفة الناجحة.

كما لحَّن منير مراد لكثير من المطربين أغانى ساعدت بشكل أو بآخر فى نجاح أفلامهم مثل أغنية "ضحك ولعب وجد وحب" و"وحياة قلبى وأفراحه" و"حاجة غريبة" و"بكرة وبعده" و"بحلم بيك" و"بأمر الحب" و"أول مرة تحب يا قلبى" و"قاضى البلاچ" لعبد الحليم حافظ.

لحن أيضاً لشقيقته ليلى مراد "أنا زى منا" و"يا طبيب القلب" و"راح الهوا" وغيرها من أغانى أفلامها الناجحة.

ولحَّن منير مراد للشحرورة "صباح" أغنية "عطشانة" التى غنتها فى فيلم "الرجل الثانى" (1959) من إخراج عزالدين ذوالفقار. كما لحن لها أغنية "علمنى الحب" و"مش فاكرة شوفتك فين".

كما لحَّن لشريفة فاضل أنجح أغانيها منها أغنية "الليل" التى سمت الكازينو الخاص بها على اسم الأغنية، ولحن لها أغنية "على مين أو حارة السقايين".

منير مراد أيضاً صاحب لحن أغنية "كعب الغزال" لمحمد رشدى، و"غلاب الهوا" لمها صبرى و"أبعد يا حب" لعفاف راضى.

كما قام بوضع الموسيقى التصويرية لعشرات الأفلام منها أفلام "إسماعيل يس فى الأسطول" و"إسماعيل يس بوليس حربى" و"فتاة الاستعراض" وغيرها من الأفلام التى قام بتلحين الأغانى فيها مثل فيلم "العتبة جزاز" و"عفريت مراتى" و"الراجل ده حيجننى" و"مولد يا دنيا" وغيرهم الكثير.

امتلك منير مراد أسلوبًا خاصًا فى التلحين، وابتعد عن النغمات الكلاسيكية الثقيلة التى كانت سائدة فى زمنه، واتجه لتقديم ألحان خفيفة وإيقاعية تواكب روح العصر. ولذلك ارتبطت ألحانه بأغانى البهجة والاستعراض. 

تزوّج منير مراد ثلاث مرات، أولها من فتاة يهودية مصرية إيطالية تُدعى "رينيه"، أنجب منها ابنه الوحيد "زكى"، لكنها سافرت إلى أمريكا وطلبت الطلاق، فانفصلا. أما زيجته الثانية فكانت من الفنانة "سهير البابلى" بعد قصة حب، فأشهر إسلامه وتزوجها، واستمر زواجهما 9 سنوات قبل أن ينفصلا بسبب الغيرة، بحسب ما ذكرت البابلى فى أحد البرامج. ثم تزوّج من "ميرفت حسنى"، التى ظلت إلى جواره حتى وفاته عام 1981، عن 59 عاماً، إثر إصابته بأزمة قلبية.

تصادف موت منير مراد فى نفس فترة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات حيث تُوفى منير مراد يوم 17 أكتوبر 1981، وبسبب حظر التجوال وقتها لم يحضر جنازته سوى فردين فقط من أقاربه، ولم يعلم أحد بوفاته إلا بعد يومين من دفنه.

ترك منير مراد خلفه إرثاً فنياً غنياً بالألحان المتجددة والروائع الاستعراضية المبهجة، وإسهامات سينمائية لا تُنسى. ورغم أن اسمه قد لا يذكر فى الصفوف الأولى، إلا أن فنه باقٍ، يُعيد اكتشافه كل من يفتش عن البهجة الموسيقية الصافية والموهبة الحقيقية التى لا تعرف التكرار.

search