الخميس، 17 يوليو 2025

04:26 م

محمد مطش يكتب: صلة الارحام.. عنوان التواصل بين القلوب

الخميس، 17 يوليو 2025 10:12 ص

محمد مطش

محمد مطش

تُعد صلة الأرحام من القيم الإنسانية والاجتماعيةالعظيمة، التي تحظى بمكانة خاصة في مختلف الثقافات والأديان السماوية، فهي ليست مجرد علاقة عائلية، بل هي رابط روحي ومصدر قوة متجذر في عمق التقاليد والمبادئ، التي تبني المجتمعات المتماسكة. في هذا المقال نُسلط الضوء على معنى صلة الأرحام، وأهميتها في بناء مجتمع مترابط، وقيمتها في الأديان السماوية، بالإضافة إلى أثرها الإيجابي على الصحة النفسية والاجتماعية للفرد.
تُعرف صلة الأرحام لغويًا بأنها الحفاظ على الروابط العائلية بين الأقارب، فالأرحام هم الأنساب والقرابات من العائلة، و"صلة" تعني التوصيل والإدامة، أما في الشرع الإسلامي، فهي تعني المحافظة على العلاقات الاجتماعية والعائلية، وإدامة الزيارات والمساعدة والمودة بين الأقارب.
وقد أكد القرآن الكريم على أهمية صلة الأرحام في آيات متعددة، منها قوله تعالى: “وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”، وفي آية أخرى يقول الله سبحانه:
"فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، حيث تتضمن دعوة صريحة لإصلاح العلاقات بين الأقارب.
وتلعب صلة الأرحام دورًا حيويًا في تعزيز التماسك الاجتماعي، والتقليل من مظاهر العنف والانفصال الأسري. إذ تشكل روابط الدم والقرابة أساسًا لتقوية التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وتدفعهم إلى التعاون والمساعدة في الأوقات الصعبة.

فالمجتمع الذي يحافظ على هذه الروابط، يكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، ويقل فيه شعور العزلة والوحدة. علاوة على ذلك، تخلق صلة الأرحام بيئة يسودها الاحترام والتسامح بين الأجيال، حيث يتم توارث القيم الأخلاقية والإيجابية، مما يرسخ مفهوم الأسرة كخلية أساسية في بناء المجتمع.
ولا تقتصر أهمية صلة الأرحام على الإسلام فقط، بل نجدها محورًا مركزيًا في الرسالات السماوية الأخرى أيضًا. ففي المسيحية، تحث التعاليم على محبة القريب والعناية بالعائلة، حيث قال المسيح عليه السلام: "أحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم"، وكذلك في اليهودية، تحث التوراة على احترام الأهل والرحمة تجاه الأقارب. أما في حياتنا اليومية، فتظهر أهمية صلة الأرحام في دعم الأفراد نفسيًا وماديًا، فعندما تكون الروابط قوية، يجد الفرد الدعم في مواقف الأزمات والشدائد، ويشعر بالأمان والانتماء، ما ينعكس إيجابيًا على استقراره النفسي والاجتماعي. كما تساهم العلاقات الأسرية القوية في تقليل الشعور بالوحدة والاكتئاب، وتعمل كشبكة دعم اجتماعي تحمي الفرد من الضغوط النفسية، فصلة الأرحام تعزز مشاعر الانتماء والأمان، مما ينعكس على زيادة ثقة الفرد بنفسه، وتحسين صحته النفسية.
جدير بالذكر ان عددا من الدراسات النفسية، أثبتت أن الأشخاص الذين يحتفظون بعلاقات وثيقة مع عائلاتهم وأرحامهم يتمتعون بمستويات أقل من التوتر، ويتمتعون بمناعة نفسية أفضل في مواجهة التحديات الحياتية. كما أن هذه الروابط تؤدي إلى تعزيز التعاون والتفاهم بين الأفراد، مما يساعد على بناء مجتمعات صحية ومزدهرة.
وختاما اود ان أوجه رسالة للنشء وجيل الشباب، للإعلاء من قيمة صلة الارحام واهمية تعزيز الروابط الاسرية والعائلية، أنتم أمل المستقبل وحاملوا شعلة التغيير، ففي زحمة الحياة الحديثة والانشغالات المتزايدة، قد تضعف روابط الأسرة والرحم، ولكن تذكروا دائمًا أن قوة الإنسان تبدأ من قوة جذوره.
ان صلة الأرحام ليست مجرد زيارات ومناسبات، بل هي حياة تنبض بالمحبة، وصمام أمان يقيكم من فراغ الروح ووحدة القلب، حافظوا على أقاربكم، واحرصوا على إدامة التواصل معهم، فالصلات المتينة تبني شخصية متزنة، وعائلة سعيدة، ومجتمع قوي. كما إن انعكاس قوة صلة الرحم لا يقتصر على الفرد فقط، بل يمتد ليشمل الأسرة بأكملها، فينشأ فيها الحب والاحترام، وتتوارث القيم والمبادئ، ويزدهر المجتمع الذي يحترم هذه الروابط المقدسة.
فلنكن جميعًا جسرًا يربط بين القلوب، وجسورًا تبني مجتمعًا متماسكًا مليئًا بالحب والوفاء والترابط.

search