هشام المغربي يكتب: بين الديمقراطية والمهلبية
الإثنين، 01 سبتمبر 2025 03:17 م

الكاتب هشام المغربي
وقع أمامي بالصدفة تقرير مؤشر الديمقراطية، عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة لمجموعة (الإيكونوميست) البريطانية، وما استرعي انتباهي في هذا التقريرهو ما أظهره بيان عن ديموقراطيات العالم، وتصنيف الدول وفقاً لمعايير دقيقة، بما يتناسب مع الشكل الديموقراطي الذي تتخذه كل دولة، مثل العملية الانتخابية والتعددية وأداء الحكومة والمشاركة السياسية، وكذلك الثقافة السياسية لدى الأفراد، والوعي الجمعي والحريات المدنية، وتمنح درجات لكل ما سبق ذكره ثم تصل الى ترتيب كل دولة وفقاً لهذه المعايير، وجاء ترتيب مصر رقم 127 من بين 167 دولة (تقرير عام 2023) . وجاءت تونس في المركز 82 والمغرب في المركز 93 والجزائر في المركز 110، ثم يأتي بعد ذلك كل من قطرولبنان والكويت وعمان والأردن والإمارات قبل مصر ثم يأتي بعد مصر من الدول العربية العراق والبحرين والسعودية واليمن وليبيا والسودان، وجاءت سوريا في المركز 163. لم يدهشني ترتيب مصر المتأخر بين دول العالم فنحن منذ حركة يوليو 1952 قد نحينا الديمقراطية جانباً, وإن ظل الحكام واحداً بعد آخر يتشدق بأن نظامه ديمقراطي وأن مصر في عهده واحة للديمقراطية وتعيش أزهى عصورها إلى آخر هذه الأقاويل المضحكة والتي يعلمون هم قبل شعبهم أنها ليست حتى للاستهلاك المحلي ولا للدعاية الخارجية لأن الخارج يعلم أكثر منهم كل ما يحدث في مصر بكل التفاصيل الدقيقة ولايشغله أن تصبح مصر ديمقراطية أو مهلبية كل ما يعنيه مصالحه وهل بنظامها الذي انتهجته ستحقق له تلك المصالح؟ إذا تعارض ما انتهجته من نظام مع هذه المصالح المنشودة هنا يمكن أن يتذرع بالديمقراطية وحقوق الإنسان حتى يصل إلى تحقيق تلك المصالح, هكذا دائما الدول الكبرى ولنا في حادثة خاشقجي مثلا جلياً على ما أعني فقد غضت أمريكا الطرف عن كل شيء متعلق بهذه القضية مادامت قد جمعت التريلونات المنقذه لاقتصادها، ولتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم. و إن كنت أرى أنه من الأحرى بتلك الدول ومصر من بينهم القول صراحة نحن لسنا دولة ديمقراطية لأسباب كثيرة منها عدم قدرتنا على دفع الفواتير الباهظة لهذا النظام السياسي الصارم, وأننا نأخذ بنظم أخرى قد تصل بنا يوماً إلى تقدم إقتصادي وازدهار مجتمعي وإن لم يحدث ذلك بالطبع في مصر طيلة أكثر من سبعين عاماً لأسباب متباينة ليس هنا مجال عرضها وتفنيدها, ولكن ربما كان التصريح بذلك قد يرفع عن تلك الدول حرج عدم الأخذ بالنظام الديمقراطي أمام شعوبها وأمام دول العالم. وبالعودة إلى التقرير سنجد أيضاً أن هناك تصنيفاً آخر استرعى دهشتي وهو أنه قسم دول العالم بين ديمقراطية كاملة أو ديمقراطية معيبة أو نظام سياسي مهجن (يقصد الجمع بين الديموقراطية والاستبدادية)، ثم دول أخرى بنظام سلطوي صريح. كما أوضح التقرير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الوحيدة التي تخلو من أي دولة مصنفة كديمقراطية كاملة أو حتى ديمقراطية معيبة! أما المدهش في ذلك فهو أن التقرير قد صنف دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وايطاليا وبلجيكا وبولندا وجنوب أفريقيا وسنغافورة ورومانيا وبلغاريا وتايلاند والبانيا بدول ذات ديمقراطية معيبة. الولايات المتحدة التي ما فتأت تتغنى بالديمقراطية ليل نهار بل وتشن هجوماً قد يصل إلى الاكتساح العسكري كما حدث في العراق بذريعة نشر الديمقراطية والحرية, والعالم يعرف أنها مجرد ذريعة لحماية مصالح خاصة أو للسطو على ثروات، أوطمعاً في ثروات أو مصالح حدودية لحماية طفلتها المدللة دولة الكيان الإرهابي المغتصب، أو غير ذلك من أغراض استعمارية واضحة. إذن الملفت هو تجرؤ الإيكونوميست على تصنيفها كدولة ذات ديمقراطية معيبة! خلاصة القول لا أحد يحدثني عن الديمقراطية بعد ما حدث من قهر وقمع وتدمير وإبادة جماعية لغزة الفلسطينية، ولشعب يباد ويقهر وينهار ويمنع عنه الماء والطعام وتسفك فيه دماء النساء والأطفال, ومدينة تهدم بالكامل حتى تستوي بالأرض, شعب يجبر على التهجير القسري وسط صمت مطبق من العالم إزاء ذلك, إلا من بعض الأصوات الهزيلة الواهنة هنا وهناك أصوات لا تردع ولا ترد المعتدي، هي فقط همسات اعتراض وشجب من بعض شعوب العالم الحر أقول شعوب وليس حكومات, فنجد أن أعتى الديمقراطيات في العالم تقف أمام هذه الهمسات كالمارد لتعصف بهم وبهمساتهم كيف تجرؤ تلك الأصوات أن تقول للكيان المغتصب كفى، وقوبلت تلك الأصوات الواهنة بالقمع والردع والتهديد مطالبينها بالصمت والخرص التام أمام ما يحدث أمام العالم وكشفته شاشات التلفاز وشاهده العالم أجمع. مما شجع هذا المغتصب الأثيم أن تصل به الجرأة ليصرح بوضوح جهاراً نهاراً دون أي مواربة، عن رغبته في ضم أغلب دول المنطقة إلى دويلته المغتصبة، لتحقيق ما يسمى دولة الكيان الكبرى, ذلك الحلم الذي تسعى إليه هذه الدويلة المغتصبة الاستعمارية ومعها شريكتها الكبرى للسيطرة على خيرات هذه الدول من ثروات طبيعية بترولية كانت أو معدنية أو ربما مائية أيضاً.. إزاء ذلك كله لا تحدثني عن أي ديمقراطية أو ديمقراطية معيبة أو ديمقراطية مهجنة أو استبداد ياعزيزي (كلكم مستبدون). لقد كشفت هذه الحرب عن حقيقة العالم الغربي المدعي بديمقراطية زائفة، ليست سوى مسحوق تجميل يضعه ليحقق مآربه، أو قناع يرتديه ليخدع بعض الشعوب، ولكن ما حدث لشعوب تلك الدول الحرة التي تدافع عن الحق والعدل والحرية كان هو الشيء المؤسف، رأيت بنفسي بل قد أدعي أنني كنت شاهد عيان على ما حدث من قمع للمظاهرات في الجامعات الأمريكية، وتهديد بالفصل من الجامعات لعمداء الكليات التي تسمح بذلك، وكذلك الفصل من الوظائف العامة في بعض الدول الأوروبية لهؤلاء المتعاطفين مع القضية الفلسطينية! كل ذلك قد أسقط تلك الأقنعة وظهر القبح والشراسة والمصالح الضيقة الزائلة لهذا الغرب المستبد، المتحالف بشكل أو بآخر مع هذا الكيان التوسعي الآثم، لا يحدثني أحد عن ديمقراطية بعد الآن وليكن شعارنا من اليوم فلتحيا المهلبية.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
المركزي المصري يُصدر تعليمات جديدة لتعزيز الحوكمة في قطاع المدفوعات
01 سبتمبر 2025 05:00 م
الذهب يواصل الثبات في تعاملات الاثنين 1 سبتمبر 2025 بعد قفزة قوية الأسبوع الماضي
01 سبتمبر 2025 01:19 م
أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم الاثنين 1 سبتمبر 2025
01 سبتمبر 2025 01:13 م
سعر الجنيه الاسترليني اليوم الاثنين الموافق 1 سبتمبر 2025
01 سبتمبر 2025 01:10 م
سعر اليورو اليوم الاثنين 1 سبتمبر 2025
01 سبتمبر 2025 01:00 م
سعر الدولار الأمريكي اليوم الاثنين 1 سبتمبر 2025
01 سبتمبر 2025 12:56 م
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً