النظافة والنظام والمسئولية في أدب الطفل وقصة «حقيبة هاني» لـ جلال الصياد نموذجا

صدر للكاتب الصحفي والأديب جلال الصياد(*) المجموعة القصصية "الجدة ومملكة النحل" من أدب الأطفال , عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠٢٤.
تحتوي على القصص  التالية :
حقيبة هاني, فتلة الكنافة , هاني في العيد , الجدة وملكة النحل , قرية السعادة , دودة القز وشجرة التوت , رحلة الى القرية , صندوق جدي .
نعرض بالتحليل رؤية نقدية للقصة الأولى حقيبة هاني :
"قيم النظافة والنظام وتحمل المسؤولية "
كما تعكسها قصة "حقيبة هاني" لجلال الصياد "نموذجا"
قراءة تربوية في ضوء التعاليم الإسلامية"

المقدمة التمهيدية:
تُعدّ القصص الموجّهة للأطفال أحد أهم الوسائل التربوية لترسيخ القيم السلوكية والاجتماعية، إذ تُقدَّم المعاني الأخلاقية في سياق حكائي بسيط قريب من وجدان الطفل. وتبرز في قصة "حقيبة هاني" القيم الثلاث الرئيسة: النظافة، النظام، وتحمل المسؤولية، وهي قيم أساسية لبناء الشخصية الواعية والمنضبطة.
وقد أولى الدين الإسلامي هذه القيم عناية كبيرة؛ فالنظافة عبادة كما في قوله ﷺ: "الطُّهور شطر الإيمان"، والنظام من شيم المؤمنين إذ جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" [الصف: 4]، وتحمل المسؤولية مظهر من مظاهر الأمانة التي قال الله فيها: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..." [الأحزاب: 72].
ومن خلال هذه القصة يتعلم الطفل بأسلوب غير مباشر أن الاهتمام بممتلكاته، والمحافظة على نظافتها، وتنظيم شؤونه اليومية، كلها سلوكيات تنبع من قيم دينية سامية تؤسس لإنسان نافع في أسرته ومجتمعه. ويمثل هذا المدخل إطارًا تربويًا ونقديًا لتحليل القصة من منظور يربط بين الأدب والخلق والدين.
القصة تنتمي إلى أدب الأطفال الواقعي التوجيهي، مع المزج ببعض الفانتازيا التي تتمثل في أنسنة الجماد "الحقيبة"حيث يمنحها الكاتب القدرة على الكلام والنطق وهومناسب للطفل كما سنرى .
العنوان: 
"حقيبة هاني" عنوان بسيط وموحٍ، يركّز على علاقة الطفل بمقتنياته، ويكشف منذ البداية عن بُعد رمزي تربوي، إذ تتحول الحقيبة إلى شاهدٍ ومربٍّ خفي.
أولًا – البنية السردية:
القصة تقوم على تقنية التشخيص (Personification)، إذ تتكلم الحقيبة بضمير المتكلم، فتتحول من جماد إلى كائن واعٍ يراقب سلوك الطفل. هذا الأسلوب يخلق مسافة تربوية آمنة بين القارئ والفعل الخاطئ، فيتعلم الطفل دون توبيخ مباشر.
و اختيار السرد بضمير المتكلم على لسان الحقيبة، هو اختيار سردي ذكي يمنح الجماد روحًا , ويُحدث تماهياً وجدانياً مع الطفل القارئ. هذا الأسلوب يُرسّخ فكرة المسؤولية عبر منظور غير بشري، فيتعلّم الطفل كيف يرى الأشياء بوصفها كائنات تستحق العناية.

الحدث الرئيس:
يتطور الحدث من فرحة الحقيبة بالاقتناء إلى معاناتها من الإهمال على يد هاني ، ثم بلوغ لحظة الوعي عندما يشعر الطفل بخطئه وتقصيره في حق نفسه وممتلكاته "الحقيبة المدرسية" ويصلح سلوكه. البناء يعتمد على التدرّج الأخلاقي: فرح – إهمال – أذى – إدراك – إصلاح.
الحبكة بسيطة لكنها متماسكة:
عرض الشخصية والحدث (شراء الحقيبة).
تصاعد الأزمة (إهمال هاني وسوء استخدامه).
الذروة (نصيحة الجد واكتشاف الخطأ).
الانفراج (اعتذار الطفل وتنظيف الحقيبة).
النهاية الأخلاقية (تصحيح السلوك).
ثانيا : الشخصيات:
هاني: يمثل نموذج الطفل الواقعي المهمل، المتذبذب بين اللعب والواجب، ليس شريرًا بل غافلًا ولا مباليا . ويمثل المرحلة التي يتعلم فيها الطفل معنى المسؤولية والالتزام.
الأم: صوت الضمير والنظام, وصوت الوعي اليومي ، لكنها تظل هامشية التأثير حتى يتدخل الجد .
الحقيبة: الراوية والمراقب التربوي الأخلاقي ، ترمز إلى الضمير المستتر في حياة الطفل الذي يتألم بصمت.
الجد: رمز الحكمة والخبرة، يمثل سلطة القيم الأصيلة.
ثالثًا :اللغة والأسلوب:
لغة مباشرة، سليمة خالية من الغموض، تراعي مستوى الطفل. السرد يجمع بين التشخيص/الأنسنة (إضفاء صفات إنسانية على الحقيبة) والواقعية التعليمية. والمفردات مألوفة وسهلة، والجمل قصيرة، ما يجعلها مناسبة لمرحلة الطفولة المتوسطة تراعي الفئة العمرية (9–12 سنة). 
وتستخدم أفعالًا حسية تعبّر عن الألم والفرح مثل: "شعرت بألم شديد"، "فرحت كثيرًا"، "تمنيت أن تتم فرحتي". الجمل قصيرة ومتناغمة، والنص يجمع بين السرد والوصف بانسيابية.
رابعًا – القيمة التربوية:
القصة تبني وتغرس قيمًا تربوية متعددة وكلها مستوحاة من الدين الإسلامي :
النظافة والنظام العناية بالأدوات واحترام الممتلكات , الصدق مع النفس والاعتراف بالخطأ. الإصلاح الذاتي دون عقاب خارجي.
فرسالتها التربوية عميقة إذن : السلوك الأخلاقي لا يُفرض بالعقاب، بل يُستعاد بالوعي والندم.فهي تربط بين السلوك الأخلاقي والعلاقات المادية اليومية. الرسالة واضحة دون وعظ مباشر، بل من خلال التجربة والنتيجة .
خامسًا – البعد الرمزي:
الحقيبة ليست مجرد وعاء للكتب، بل رمز لضمير الطفل الداخلي الذي يتسخ ويُثقل بالإهمال والكذب، ثم يُطهَّر بالاعتراف والتوبة. فالحقيبة تمثل الذات الداخلية للطفل، وكل ما يهمله أو يُهينه ينعكس عليه , والتحول في سلوك هاني يرمز إلى النضج الأخلاقي الناتج عن الفهم للخطأ والتوبة والإصلاح.وكلها من المفاهيم والمباديء الإسلامية , التي يجب أن يعيها الكبار ويُربى عليها الصغار . 
سادسًا – البناء الفني:
التدرج في الأحداث متقن.
الانتقال من مشهد الشارع العام إلى البيت ثم إلى الموقف التربوي في النهاية يعطي القصة اتساعًا مكانيًا ومعنويًا.
الملاحظات الفنية:
النهاية إيجابية لكنها متوقعة. يمكن تعميقها بإضافة حوار قصير يعبّر عن مشاعر الندم بوضوح أكبر.
المشاهد الواقعية (الطعام المتعفن، الأوراق المخفية) قوية في الإيحاء لكنها تحتاج ضبطًا لغويًا أدق ليتجنب النص القسوة أو النفور من الطفل .
سابعا : خلاصة/ خاتمة نقدية:
"حقيبة هاني" قصة واقعية تمتزج بالفانتازيا المحببة للطفل,  رمزية ناجحة في تحقيق هدفها التربوي دون مباشرة مفرطة .و واضحة في هدفها، تحقق التوازن بين المتعة والتعليم، وتستخدم أسلوب التشخيص بفاعلية. توظف السرد التشخيصي لتوليد الوعي الذاتي عند الطفل. قوتها في بساطتها ودقتها الأخلاقية، وفي منظور السرد غير المألوف وفي الرسالة الأخلاقية العملية التي تصل إلى الطفل دون مباشرة زائدة.
ونقطة تميّزها في جعل الجماد مرآة للضمير الإنساني.
النهاية مفتوحة تربويًا: لا تنتهي بتوبيخ بل بفعل إيجابي (التنظيف والترتيب).
------
ملحق الدراسة :
نبذة عن الكاتب وموقعه الأدبي :
- الاسم الأدبي: جلال الصياد
- قاص وشاعر وكاتب مسرحي. عضو اتحاد كتاب مصر.
- محاضر مركزي بوزارة الثقافة - الهيئة العامة لقصور الثقافة. 
- نشرت أعماله في مجلات : الثقافة الجديدة- الجمهورية - المساء -خطوة -قطر الندى-ميريت-سمير- كتب الهلال للأولاد والبنات - الفردوس- حواء - جريدة وموقع اليوم السابع- الفنون الشعبية- نقش الثقافية الأردنية- الشارقة الثقافية- الشرطة النهار- المصريين... وغيرها).
صدر له :
- عالم بکش ديوان عامية .1993
- فيكي إيه - يتحب ؟ ، ديوان عامية، عام 2000.
- نسمات حائرة، مجموعة قصصية، عام 2001.
- تعيشي.. يا مصر، مسرحية عام 2002.
- سلسلة نجوم الفن الشعبى من ثلاثة أجزاء:عن أحد رواد الفن الشعبي في مصر عن الفنان يوسف شتا القليوبي».2003
-عالمة الذرة المصرية الدكتورة سميرة موسى - المعجزة واللغز، مايو 2007.
- أمينة السعيد الرائدة المبدعة، عن سلسلة كتاب الهلال»، أغسطس 2018.
- سهى وزهرة عباد الشمس، مجموعة قصصية للأطفال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 2020.
- كتب عنه بعض النقاد دراسات منشورة في الجرائد والمجلات المصرية والعربية مثل :
- د أميمة منير جادو : القيم الدينية والوطنية في شعر العامية "جلال الصياد" نموذجا, دراسة نقدية تحليلية, منشورة في مجلة التربية الأخلاقية , عدد يناير 2008 
-  د أميمة منير جادو: سهى وزهرة عباد الشمس , "جلال الصياد" نموذجا, قراءة تحليلية نقدية , منشورة في مجلة خطوة للطفولة المبكرة تصدر عن المجلس العربي للطفولة والتنمية , العدد (44) شتاء 2022.
- د حنان اسماعيل : رؤية نقدية في المجموعة القصصية سهى وزهرة عباد الشمس, المركز القومي لثقافة الطفل , بحوث ودراسات , 2023
- شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات .
-حاز على العديد من شهادات التقدير , والفوز في بعض المسابقات الأدبية .
تم بحمد الله