الأربعاء، 24 ديسمبر 2025

09:16 م

مينا غالي يكتب: خطة "تأديب الأولاد"

الأربعاء، 24 ديسمبر 2025 04:49 م

مينا غالى

الكاتب مينا غالى

الكاتب مينا غالى

في كرة القدم أحياناً لا تُهزم وأنت تتعادل، ولا تنتصر وأنت تفوز.. ومباراة مصر أمام زيمبابوي كانت من النوع الذي يترك في القلب شعورين متناقضين: فرحة هدفٍ جاء في اللحظة الأخيرة كأنّه "طوق نجاة"، وقلقٌ يهمس في الأذن: وماذا بعد؟

انقسم الناس بعد اللقاء.. بين من رأى الأداء جيداً، ومن اعتبره إنذاراً مبكراً.

والحقيقة أن الخلاف مفهوم، لأن ما شاهدناه كان خليطاً غريباً: منتخبٌ يملك أدوات هجومية قوية، لكنه في المقابل بدا كمن يركض كثيراً.. ليصل متأخراً.

زيمبابوي.. الخصم الأقل والفوز الأصعب

الفوز على زيمبابوي بهدفين لهدف في الثواني الأخيرة قد يبدو رقمياً "ثلاث نقاط"، لكنه فنياً كان "سؤالاً كبيراً"، ليس لأن زيمبابوي فريق سيئ؛ بل لأن هذا الخصم تحديداً هو الأقل في مجموعتنا، مقارنة بجنوب أفريقيا الأكثر تنظيماً، وأنجولا التي تملك مشروعاً واعدًا.

وهنا تأتي خطورة المشهد: إن كان هذا هو شكلنا أمام الفريق "الأضعف"، فكيف سنبدو حين نواجه فريقاً يضغط، ويدوّر الكرة، ويُدير المباراة بعقل بارد؟

منتخب يهاجم كثيرًا.. ويُنهي قليلاً

أبرز ما يمكن أن يُقال عن مصر في مباراة زيمبابوي: أننا وصلنا للمرمى بطرق متعددة: عرضيات، مرتدات، اختراقات من العمق.

 وهذا في حد ذاته أمر إيجابي، بل ومُطمئن، لأن القدرة على صناعة الفرص تعني أن هناك حياة في الهجوم.

لكن الطمأنينة لم تكتمل؛ فالإهدار كان زائداً عن الحد، وكأن كل هجمة تصل لمنطقة الجزاء ثم تتعثر عند "القرار الأخير". وفي البطولات الكبرى، يُعاقبك الخصم على الفرصة الضائعة حيناً كما يُعاقبك على الخطأ الدفاعي أحياناً أكثر.

أما الجانب الأكثر إزعاجاً فكان دفاعياً بامتياز. التراجع بدأ من محوري الارتكاز (مروان عطية وحمدي فتحي)، مروراً بثنائي قلب الدفاع (حسام عبد المجيد وياسر إبراهيم)، وصولًا إلى اهتزاز مستوى محمد الشناوي.. الحارس الذي لم يبدُ في أفضل حالاته، فكانت الكرة عصيّة على القبضة أكثر من اللازم.

وهنا يصبح السؤال طبيعيًا: هل كانت هذه مجرد كبوة افتتاحية؟ أم أن في المنتخب "مشكلة توازن" تحتاج تدخلاً سريعاً قبل أن تتضخم؟

مباراة جنوب أفريقيا: امتحان تحديد مستوى

رحلة زيمبابوي انتهت.. بمحاسنها وبسلبياتها. والآن علينا أن نُغلق ذلك الباب، ونفتح باباً أثقل بكثير: منتخب جنوب أفريقيا.

من شاهد مباراة جنوب أفريقيا أمام أنجولا سيلاحظ أنه فريق يشبه كثيراً طريقة صن داونز:

كرة جماعية، تقارب خطوط، تدوير مستمر وسريع لإرباك المنافس، وتسديد من خارج المنطقة كسلاح لا يترددون في استخدامه.

وهذه "الوصفة" تحديداً خطيرة على منتخب يملك حارساً يهتز أمام الكرات البعيدة، ومحوراً قد يفقد تمركزه تحت الضغط.

ولهذا، نحتاج النظر لمباراة جنوب أفريقيا بعقل مختلف.

كيف نروّض "الأولاد"؟

إذا كانت جنوب أفريقيا فريقاً يلعب بذكاء، فنحن نحتاج أن نواجهه بنظامٍ أوضح، لا بعشوائية محاولات.

أولًا: 4-3-3 صريحة.. لا 4-2-3-1 مائعة

أرى أن البداية يجب أن تكون بـ 4-3-3 واضحة، مع محور واحد في مركز 6:

مروان عطية أو مهند لاشين.. لاعب قادر على القطع والتمرير السليم، وليس مجرد مُمرر للكرة لمن يجاوره.

وبجواره في مركز 8:

إمام عاشور وزيزو، لأنهما يملكان الحراك، والتحول السريع، والقدرة على نقل الكرة من الخلف للأمام، والزيادة الهجومية خلف المثلث الأمامي، فضلاً عن السرعة في الارتداد للخلف.

أما المثلث الهجومي فسيكون الأكثر منطقية بـ:

صلاح ومرموش مع رأس حربة متحرك مثل أسامة فيصل كبديل لمصطفى محمد المصاب.

والهدف هنا في هذا التشكيل ليس مجرد تغيير أسماء.. بل خلق صورة هجومية أسرع وأعلى ضغطاً على دفاعهم

 ثانيًا: مهاجمون أكثر.. تحميل أكبر على نقطة ضعفهم

الفكرة الأساسية في هذه الطريقة هي أن دفاع جنوب أفريقيا هو الحلقة الأضعف، ولهذا يجب التحميل عليه بهجمات مُركّزة وبأسلحة متنوعة.. ثلاثة مهاجمين، ومن خلفهم لاعبان من وسط الملعب، إضافة إلى ظهيرين طائرين (هاني وفتوح)، مع محور خلفي يستطيع التسديد من بعيد.

هذا النوع من الضغط المستمر يصنع شيئًا مهماً: يجعل الدفاع يفقد "الراحة"، وكل دفاعٍ يفقد الراحة يرتكب الخطأ ويقع في المحظور. 

لكن الدفاع أيضاً يحتاج قراراً شجاعاً، فلا يكفي أن نُحسن الهجوم إن كنا نُقدّم الهدية في الخلف.

ولهذا.. أرى أن مباراة جنوب أفريقيا تحتاج لتغييرات دفاعية واضحة:

أولها: إخراج الشناوي من حسابات هذه المباراة.. نعم قد يكون اختياراً صادماً للبعض أو متسرعاً إلى حدٍ ما، لكن الواقع يقول إن مستوى الشناوي متراجع بوضوح، ومشكلته ليست في "الخطأ الكبير"؛ بل في "الارتباك الصغير" الذي يفتح أبواباً أكبر.

عدم الإمساك بالكرة من مرة واحدة، خصوصاً في التسديدات بعيدة المدى، يمنح الخصم فرصة المتابعة.. وجنوب أفريقيا تحديداً يحبون التسديد، وسيفعلون ذلك مراراً لاختبار هذا الاهتزاز.

ولذلك فإن الدفع بـ مصطفى شوبير يبدو خياراً أكثر ثباتًا، وأهدأ نفسيًا أمام سلاحهم المفضل.

وثانيها: رامي ربيعة ضرورة بخبرته أمام أبناء جنوب أفريقيا لسنوات مع الأهلي، وبانضباطه الدفاعي، أراه خياراً أفضل من الفوضى التي ظهرت في التوافق بين عبد المجيد وياسر إبراهيم.

الخلاصة.. نحتاج إلى الهدوء. فمباراة زيمبابوي يجب أن تكون دافعًا.. لا فزعًا.. سلّماً نصعده تدريجيًا نحو النهائي.. لا فخًا نسقط فيه نفسياً من البداية.

لكن يجب ألا نخدع أنفسنا؛ فمباراة جنوب أفريقيا هي الأهم في البطولة لأنها ستحدد مسارنا: إما طريقٌ أهدأ يتيح البناء بثقة، أو صدامٌ مبكر مع "العتاولة" في طريق محفوف بالمخاطر.

وفي البطولات قد تكون مباراة واحدة هي التي تكتب كل شيء، فالجمعة ليست مجرد مباراة.

إنها لحظة اختبار: هل نتعلم من زيمبابوي؟ أم نكتفي بفرحة الثلاث نقاط.. ونترك الخلل يكبر؟

الرابط المختصر

search