الأربعاء، 18 يونيو 2025

07:15 ص

محمد حامد يكتب: الفتوة في السينما المصرية

الثلاثاء، 17 يونيو 2025 09:57 م

محمد حامد

محمد حامد

سجلت العديد من الأفلام المصرية شخصية الفتوة، ذلك الزعيم الشعبى الذى يهابه الجميع وينصاعون إلى أوامره ويقبلون أحكامه ويدفعون له وهم صاغرون. ولم يكن الفتوة فى السينما مجرد بلطجى أو صاحب عضلات، بل كان رمزاً للقوة والهيبة والنفوذ والسطلة الشعبية والعدالة البدائية أو الظلم الغاشم. 
وكانت حارات مصر فى أواخر القرن التاسع عشر وحتى سبعينات القرن العشرين يحكمها الفتوات تحت بصر النظام الحاكم بداية من الاحتلال الإنجليزى حتى بدايات عصر الرئيس السادات. وكان هناك فتوات مشهورين مثل "عرابى" فتوة الحسينية و"إبراهيم كروم" فتوة بولاق و"حميدو" فتوة بحرى و"إبراهيم سيد أحمد" فتوة محرم بك.
ظهرت شخصية الفتوة فى عدة أفلام على شاشة السينما، أشهرها الأفلام المأخوذة عن رواية "الحرافيش" للكاتب الكبير صاحب نوبل "نجيب محفوظ". فقد كان محفوظ أصدق من عَبّر عن حال الحارة المصرية فى أوائل القرن العشرين بكل عناصرها وعلى رأس كل حارة "الفتوة" الذى يحكمها. فظهرت أفلام مثل "المطارد" (1985) للمخرج سمير سيف وبطولة نور الشريف ومجدى وهبة (الفتوة الفللى) وسهير رمزى. ويستند الفيلم إلى الحكاية الرابعة من (ملحمة الحرافيش) حكاية سماحة الناجى حفيد الفتوة العادل عاشور الناجى الذى يحلم بعودة مجد عائلته وإزاحة الفتوة الظالم (الفللى) وتمكين الحرافيش من الحياة بكرامة داخل الحارة.
بعدها بعام فقط يلتقط المخرج نيازى مصطفى آخر حكاية فى ملحمة الحرافيش ويحولها إلى فيلم "التوت والنبوت" والذى قام ببطولته عزت العلايلى وسمير صبرى والرائع حمدى غيث فى دور الفتوة الظالم (حسونة السبع) الذى يفرض إتاوات كبيرة على الحرافيش (الأهالى الفقراء) ويضرب أم عاشور الناجى (عزت العلايلى) والتى قامت بدورها الفنانة القديرة أمينة رزق (حليمة البركة) فيقوم عاشور بتجميع الحرافيش حوله ويقضى على ظلم الفتوة ويكسر أضلاعه فى مشهد لا تنساه ذاكرة السينما.
وفى نفس العام يقدم لنا المخرج حسام الدين مصطفى فيلم "الحرافيش" بطولة محمود يس وممدوح عبدالعليم وإبراهيم الشرقاوى وصفية العمرى ويركز الفيلم على الصراع داخل منزل الفتوة العادل سليمان الناجى (محمود يس) لتتصاعد الأحداث ويمرض الفتوة ليعود ابنه الطيب لإنقاذه مدعوماً بالحرافيش.
من الغريب أن عام (1986) شهد إنتاج ثالث فيلم مأخوذ عن نفس رواية نجيب محفوظ "الحرافيش" حيث فاجأ المخرج على بدرخان الجميع باختيار الحكاية التاسعة من الرواية ليصنع رائعته فيلم "الجوع" بطولة سعاد حسنى ومحمود عبدالعزيز وعبدالعزيز مخيون ويسرا. وتدور أحداث الفيلم حول الفتوة الظالم (فرج الجبالى – محمود عبدالعزيز) الذى يقوم بسجن أخاه (جابر الجبالى – عبدالعزيز مخيون) ويقوم بتعذيبه لأنه يقوم بإطعام الفقراء ومساعدتهم فتقوم زوجته (زبيدة – سعاد حسنى) بجمع الحرافيش ليقوموا بثورة على الفتوة الظالم ويقتحمون مخازنه ويختارون أخاه العادل فتوة عليهم لتبدأ مرحلة جديدة فى حارتهم.
قبل هذا الفيلم بخمس سنوات وبالتحديد عام (1981) أنتجت السينما المصرية لنجيب محفوظ أيضاً فيلم "الشيطان يعظ" للمخرج أشرف فهمى وبطولة فريد شوقى وعادل أدهم ونور الشريف ونبيلة عبيد. وتدور أحداث الفيلم حول المعلم (الدينارى – فريد شوقى) فتوة المنطقة الذى يُكلف أحد رجاله (شطا الحجرى – نور الشريف) باختبار سلوك (وداد – نبيلة عبيد) إحدى فتيات الحارة رغبةً فى الزواج منها، ولكن يجمع الحُب بين شطا ووداد، فيقررا الهرب لحى آخر ويتزوجا ليطاردهما المعلم الدينارى للانتقام. بالمناسبة هذا الفيلم له ثلاث أسماء: (الشيطان يعظ – فتوات الدرب الأحمر – الجبابرة).
كما أنتجت السينما المصرية عدة أفلام أخرى عن الفتوات من تأليف نجيب محفوظ أيضاً مثل "فتوات الحسينية" (1954) للمخرج نيازى مصطفى وفيلم "فتوات بولاق" (1981) للمخرج يحيى العلمى والفيلمان بطولة فريد شوقى.
وإذا تركنا عالم نجيب محفوظ نجد أفلاماً كانت علامات فى تاريخ السينما مثل رائعة صلاح أبوسيف "الفتوة" (1957) والذى قام ببطولته فريد شوقى وزكى رستم وتحية كاريوكا. تدور قصة الفيلم التى كتبها فريد شوقى حول الصراع بين الفتوة الجديد (هريدى عمران) القادم من الصعيد ويحاول أن يصعد فى سوق الخضار بالقوة والعمل، والفتوة القديم الذى يملك السوق والنفوذ والمال (أبوزيد). 
وفى عام (1985) انتجت السينما المصرية فيلماً هاماً آخر عن الفتوات للمخرج أشرف فهمى والكاتب يسرى الجندى وهو فيلم "سعد اليتيم" بطولة المبدع محمود مرسى (الفتوة بدران) وفريد شوقى (الفتوة الهلباوى) وأحمد زكى ونجلاء فتحى وشويكار. ويتناول الفيلم الصراع بين الفتوات ومناطق نفوذ كل فتوة وكيف يؤثر هذا الصراع على سكان كل حارة من الفقراء ويوضح بطانة السوء التى تُحيط بكل فتوة وتدفعه أكثر نحو الظلم والسرقة. وهنا يجب الإشادة بالدور الرائع الذى قدمه الفنان توفيق الدقن (موسى) فى الفيلم والذى جسد فيه الشر والطمع والحقد فى أقصى صوره.
هناك أيضاً فيلم  "فتوات السلخانة" (1989) للمخرج ناصر حسين بطولة سعيد صالح وهياتم وحاتم ذو الفقار وهو فيلم ضعيف فنياً وهى طبيعة سينما المقاولات التى كانت منتشرة فى هذا الوقت.
قد لا يعرف الكثيرون أن عالم الفتوات فى الحقيقة لم يقتصر على الرجال فقط، بل كانت هناك فتوات سيدات. ومن أشهر النساء الفتوات "المعلمة توحة" فتوة حى المطرية و"عزيزة الفحلة" و"زكية المفترية" فتوة سوق الخضار و"سكسكة أم سيد" التى كانت تحمل النبوت مثل الرجال وتقود بنفسها رجالها أثناء الانتخابات لدعم مرشحى حزب الوفد قبل عام 1952 مقابل الكثير من الأموال.
وقد قدمت السينما المصرية السيدات فتوات فى بعض الأفلام مثل دور الفنانة (هاجر حمدى) فى فيلم "المعلم بلبل" (1951) للمخرج حسن رمزى، حيث قامت بدور المعلم بلبل صاحبة المقهى وكبيرة الحارة التى كان يهابها الجميع ويرجعون إليها فى كل شئونهم. 
الفتوة فى السينما المصرية كان أحياناً بطلاً شعبياً، وأحيانًا طاغية ظالم. أحيانًا كان يملك كاريزما تُخيف وتُطمئن فى آن واحد، وأحيانًا كان مجرد صورة للشر المجرد. لكن فى كل الأحوال، ظل الفتوة واحداً من أكثر الشخصيات ثراءً فى تاريخ الشاشة الفضية، لأنه ببساطة لم يكن مجرد شخص، بل كان تجسيداً لصراع دائم بين القوة والحق، بين العدل والظلم، بين النظام والفوضى.

search