الخميس، 28 أغسطس 2025

03:37 م

دراسة لجامعة ستانفورد: الذكاء الاصطناعي يضعف فرص الشباب الوظيفية في الولايات المتحدة

الخميس، 28 أغسطس 2025 01:42 م

محمد عماد

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

كشفت دراسة حديثة صادرة عن جامعة ستانفورد الأميركية، الثلاثاء، أن الأثر المباشر لتوسع استخدام هذه التقنيات بدأ يتجلى بشكل واضح على قطاعات التوظيف في الولايات المتحدة، حيث أظهرت النتائج أن العمال الأصغر سناً هم الأكثر عرضة للتأثر بالتحولات الجارية في تطور يعكس التحولات العميقة التي يشهدها سوق العمل العالمي مع تسارع ثورة الذكاء الاصطناعي.

وبحسب الدراسة، فإن التراجع الأبرز سُجل في قطاع تطوير البرمجيات، حيث انخفضت فرص توظيف المبرمجين الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و25 عاماً بنسبة 20% منذ أواخر عام 2022. وأرجع الباحثون هذا التراجع إلى قدرة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية على إنجاز مهام برمجية معقدة كانت تتطلب في السابق فرقاً من المطورين المبتدئين، الأمر الذي دفع كثيراً من الشركات إلى إعادة النظر في سياسات التوظيف لديها.

كما أوضحت الدراسة أن هذه الفئة العمرية سجلت انخفاضاً إضافياً بنسبة 6% في القطاعات الأكثر عرضة للأتمتة، مثل مراكز خدمة العملاء والدعم التقني، وهي وظائف وصفتها الدراسة بأنها "الأكثر هشاشة" أمام قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة المهارات البشرية الروتينية. وفي المقابل، شهدت الصناعات التي لم تُدمج فيها هذه التقنيات بشكل واسع – مثل بعض الأنشطة الإنتاجية والخدمات التقليدية – ارتفاعاً في معدلات التعيين بنسبة 9%، ما يعكس وجود توازن نسبي في بعض المجالات التي ما تزال تتطلب حضوراً بشرياً مباشراً.

ومن بين القطاعات التي تضررت بشكل لافت، جاءت وظائف خدمة العملاء ومراكز الاتصال، حيث أظهر التحليل أن حلول الذكاء الاصطناعي القائمة على المحادثات الآلية قادرة على التعامل مع نسبة متزايدة من استفسارات العملاء بكفاءة وسرعة، ما قلل الحاجة إلى توظيف أعداد كبيرة من الموظفين الجدد.

لكن المفارقة التي رصدتها الدراسة تكمن في أن هذه التحولات لم تؤثر سلباً على جميع الشرائح العمرية، إذ سجل الباحثون ارتفاعاً ملحوظاً في توظيف الموظفين الأكبر سناً في القطاعات التي تعتمد بشكل واسع على تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويرى معدو التقرير أن السبب يعود إلى أن هذه الفئة تمتلك رصيداً من الخبرة العملية والمهارات المتراكمة يصعب على الخوارزميات محاكاته، حتى مع قدرتها على إنجاز المهام الروتينية بسرعة ودقة.

وأضاف الباحثون أن الذكاء الاصطناعي قادر بالفعل على محاكاة المهارات الأساسية المكتسبة من التعليم الأكاديمي، لكنه لا يستطيع تعويض الخبرة العملية التي تتشكل عبر سنوات طويلة من الممارسة في بيئات العمل الواقعية. ولذلك، فإن فرص الإحلال تكون أوضح في الأدوار التي يمكن أتمتتها بالكامل، بينما تحتفظ المجالات التي تعتمد على مزيج من الخبرة البشرية والدعم التكنولوجي بمعدلات نمو في التوظيف، كما هو الحال في قطاع الرعاية الصحية الذي شهد توسعاً في الاستعانة بكافة الفئات العمرية.

واعتمدت الدراسة في نتائجها على بيانات صادرة عن شركة ADP الأميركية المتخصصة في حلول الموارد البشرية، والتي تغطي ما بين 3.5 إلى 5 ملايين موظف بدوام كامل شهرياً، ما يمنحها قاعدة بيانات واسعة نسبياً لرصد التحولات. إلا أن معدي التقرير شددوا على أن هذه البيانات، رغم حجمها الكبير، لا تعكس بدقة التوزيع الكامل للشركات والقطاعات عبر الاقتصاد الأميركي، ما يعني أن الصورة قد تختلف في قطاعات أصغر أو شركات ناشئة.

وإلى جانب أثر الذكاء الاصطناعي، لفت الباحثون إلى أن هناك عوامل أخرى لا يمكن تجاهلها، من بينها التعديلات الهيكلية التي لحقت بسوق العمل الأميركي بعد جائحة كورونا، والتقلبات الاقتصادية التي دفعت بعض الشركات إلى تجميد التوظيف أو إعادة هيكلة فرقها. وأكدوا أن هذه العوامل ربما ساهمت في تضخيم بعض النتائج، مما يتطلب قراءة شاملة تربط بين الأبعاد التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية للتحولات الجارية.

ويثير التقرير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الأجيال الجديدة في سوق العمل، إذ يخشى خبراء أن يؤدي تسارع اعتماد الشركات على الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم الفجوة بين العمالة الشابة والأكبر سناً، وهو ما قد يفرض على الحكومات والجامعات تطوير سياسات تعليمية وتدريبية جديدة تساعد الشباب على اكتساب مهارات أكثر تعقيداً واستدامة، لا يمكن للخوارزميات تقليدها بسهولة.

ويخلص معدو الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة مساعدة، بل بات يمثل قوة محركة تعيد رسم خريطة التوظيف داخل الاقتصاد الأميركي، مع تفاوت واضح في التأثير بين الفئات العمرية والقطاعات. ويشير الباحثون إلى أن المرحلة المقبلة ستتطلب إعادة توازن دقيقة بين استثمار الشركات في التقنيات الجديدة، والحفاظ على فرص عادلة للعمالة البشرية، بما يضمن تحقيق أقصى استفادة اقتصادية دون دفع شرائح واسعة من الشباب إلى البطالة أو التهميش.

search