الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

01:36 م

تشمل حرمة المال العام وتحذير من التفكك الأسري وفضل شهر رجب

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 19 ديسمبر 2025م ـ 28 جمادى الآخرة 1447هـ

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 09:59 ص

السيد الطنطاوي

خطبة الجمعة "أرشيفية"

خطبة الجمعة "أرشيفية"

أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، عن موضوع خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م الموافق 28 جمادى الآخرة 1447هـ، وتتحدث الخطبة عن أهمية الحفاظ على المال العام، تحت عنوان “فظللتُ أستغفر الله منها ثلاثين سنة".

وينشر “المصري الآن” نص خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير بتاريخ 19 ديسمبر 2025م الموافق 28 جمادى الآخرة 1447هـ، بعنوان “فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً”.

وأوضحت وزارة الأوقاف، أن الهدف من الخطبة الاولى الرئيسية هو التوعية بقدسية المال العام وحرمته ووجوب الحفاظ عليه، وأن الخطبة الثانية فتهدف إلى التوعية من خطر التفكك الأسري، مؤكدة أنها ظاهرة اجتماعية متنامية، تؤثر سلبًا على بنية المجتمع واستقراره، وتنعكس على صحة أفراد الأسرة النفسية والاجتماعية.

وأوضحت الوزارة أن الخطبة تستكمل بنبذة عن فضائل شهر رجب وهو من مواسمَ للطَّاعاتِ، التي تتضاعفُ فيها الحسناتُ، وتُرفَعُ فيها الدَّرجاتُ، ويُغفَرُ فيها كثيرٌ من المعاصي والآثامِ والسيِّئاتِ.

نص خطبة الجمعة القادمة  للدكتور خالد بدير 19 ديسمبر 2025م، بعنوان “فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً".

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة  للدكتور خالد بدير، 19 ديسمبر 2025م بعنوان “فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً".

أولًا: فضلُ الاستغفارِ والحثُّ عليهِ.

ثانيًا: حرمةُ المالِ العامِ ووجوبُ الحفاظِ عليهِ.

ثالثًا: ظاهرةُ التفككِ الأسريِّ (مبادرةُ صححْ مفاهيمَكَ).

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير، بعنوان : فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً: كما يلي:

خُطبةٌ الجمعة بعنوانُ “فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً” ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٤٧هـ ـ ١٩ ديسمبر ٢٠٢٥م

المـــوضــــــــــوعُ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

أيها الإخوةُ المؤمنون: تعالوا بنا لنقفَ مع حضراتِكم اليومَ مع صورةٍ من صورِ العبادِ الزهادِ، والتي تدلُّ على مدى الورعِ، والتراحمِ وحبِّ الخيرِ للجميعِ، والحفاظِ على المالِ العامِ، “فعنْ أبي بكرٍ الحربيِّ قالَ: سمعتُ السريَّ السقطيَّ يقولُ: احترقَ السوقُ فقصدتُهُ، فلقيني رجلٌ فقالَ: أبشرْ، فإنَّ دكانَكَ قدْ سَلِمَ، قالَ السريُّ: فقلتُ الحمدُ للهِ، ثمَّ مضيتُ غيرَ بعيدٍ، فوقعَ في قلبي أني فرحتُ لنفسي، ولمْ أواسيِ الناسَ فيما همْ فيهِ، فأنا أستغفرُ اللهَ منْ ذلكَ الحمدِ منذُ ثلاثينَ سنةً”. (تاريخُ بغدادَ للخطيبِ البغداديِّ، وسيرُ أعلامِ النبلاءِ للذهبيِّ).

وهذا ما سنعرفُهُ من خلالِ العناصرِ الثلاثةِ التاليةِ:

أولًا: فضلُ الاستغفارِ والحثُّ عليه.

لقد حثَّ اللهُ عبادَهُ على الاستغفارِ والتوبةِ في كثيرٍ مِن آيِ الذكرِ الحكيمِ، فقالَ تعالى: { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 199]، وقال تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ }. [هود: 3]، وقال جلّ شأنهُ: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}.[فصلت: 6]. ومدحَ اللهُ أهلَ الاستغفارِ وأثنَي عليهم في قولهِ تعالى: { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}. [آل عمران: 17]، وقولِه تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 135]، وقولِه تعالى: { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.[الذاريات: 18].

وقالَ تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }. [النساء: 110].

إنّ الخطأَ والنسيانَ واردٌ مِن الإنسانِ، بل هو فطرةٌ خُلِقَ عليهَا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». (مسلم).

وهذا إبراهيمُ بنُ أدهم يدعُو في طوافِه: اللهُمّ اعصمنِي مِن المعاصِي حتى لا أعصيكَ أبدًا، فقِيلَ له في المنامِ: أنت تسألُنِي العصمةَ، وكلُّ عبادِي يسألُونِي العصمةَ، فإذا عصمتُكُم مِن الذنوبِ فعلَى مَن أتفضلُ ولمَن أغفرُ؟!

ومِن المعلومِ أنّ الإنسانَ كثيرُ الكلامِ، وكلّمَا كثرَ كلامُه كثرَ لغطُه، فينبغِي عليهِ أنْ يُكثرَ مِن الاستغفارِ والتوبةِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، فقد يقعُ في لغوِ الكلامِ وباطلِه وخبيثِه دونَ أنْ يشعرَ أو يلقِي له بالًا، وهذا حبيبُكُم ﷺ يستغفرُ ربَّه في اليومِ أكثرَ مِن سبعينَ مرةً، وقد غُفِرَ لهُ ذنبهُ المتقدمُ منه والمتأخرُ!! ونحن أكلتنَا الذنوبُ ولم نستغفرْ اللهَ بالمرةِ، يقولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:” وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً” (البخاري)، وفي رواية مسلمٍ مائة مرةٍ، فعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ”. وإذا كان السري العابد الزاهد يستغفر الله من الحمد الذي حمده، مع أنه لم يرتكب خطيئة أو ذنبا، فما بالكم بمن يرتكب الكبائر جهرا وعلانية؟!!

فعليكُم بدوامِ الاستغفارِ لتفوزُوا بالعاجلِ والآجلِ، يقولٌ ﷺ: “طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا” .(ابنِ ماجةَ بسندٍ صحيحٍ)، وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ، فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ». ( الطبراني والبيهقي).

إنَّ هذا الموقفَ يعلمُنا درسًا عظيمًا آخرَ وهوَ: أنْ يحبَّ المرءُ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسِهِ، وهذا ما استدركَهُ السريُّ السقطيُّ حينما تفكَّرَ لحظةً بعدَ أنْ حمدَ اللهَ تعالى، وظلَّ يستغفرُ اللهَ من ذلكَ ثلاثينَ سنةً. فعنْ أنسٍ عنِ النبيِّ ﷺ قالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». (متفقٌ عليهِ). قالَ ابنُ بطّالٍ: “لأنَّ الإنسانَ يحبُّ أنْ يكونَ أفضلَ الناسِ، فإذا أحبَّ لأخيهِ مثلَهُ، فقدْ دخلَ هو في جملةِ المفضولينَ، ألا ترى أنَّ الإنسانَ يجبُ أنْ ينتصفَ منْ حقِّهِ ومظلمتِهِ، فإذا كملَ إيمانُهُ وكانتْ لأخيهِ عندَهُ مظلمةٌ أو حقٌّ، بادرَ إلى إنصافِهِ منْ نفسِهِ، وآثرَ الحقَّ، وإنْ كانَ عليهِ فيهِ بعضُ المشقةِ”. (شرحُ صحيحِ البخاريِّ لابنِ بطّالٍ).

ثانيًا: حرمة المال العام ووجوب الحفاظ عليه.

إذا كانَ السريُّ السقطيُّ – رحمهُ اللهُ – تفكَّرَ لحظةً بعدَ أنْ حمدَ اللهَ تعالى على نجاةِ دكانِهِ، فقدْ أحسَّ بما نزلَ بمالِ المسلمينَ منْ بلاءٍ، معَ أنَّهُ لمْ يكنْ لهُ دخلٌ فيهِ!! فكيفَ بمنْ يستحلُّ المالَ العامَّ؟!

إنَّ المالَ العامَّ أعظمُ خطرًا من المالِ الخاصِّ الذي يمتلكُهُ أفرادٌ أو هيئاتٌ محددةٌ، ذلك لأنَّ المالَ العامَّ ملكُ الأمةِ وهو ما اصطلحَ الناسُ على تسميتِه “مالَ الدولةِ”، ويدخلُ فيهِ: الأرضُ التي لا يمتلكُها الأشخاصُ، والطرقُ والمرافقُ، ومياهُ البحارِ والأنهارِ والترعِ، والمعاهدُ والمدارسُ، والمستشفياتُ، والجامعاتُ غيرُ الخاصةِ، وكلُّ هذا مالٌ عامٌّ يجبُ المحافظةُ عليهِ، ومن هنَا تأتي خطورةُ هذا المالِ، فالسارقُ لهُ سارقٌ للأمةِ لا لفردٍ بعينِه، فإذا كان سارقُ فردٍ محددٍ مجرمًا تُقطعُ يدُهُ إنْ كان المسروقُ من حرزٍ وبلغَ ربعَ دينارٍ فصاعدًا، فكيفَ بمن يسرقُ الأمةَ ويبددُ ثرواتِها أو ينهبُها؟! كيفَ تكونُ صورتُهُ في الدنيا وعقوبتُهُ في الآخرةِ؟!

ألا فاعلموا أنَّ الأمرَ جدُّ خطيرٍ، فإياكمْ ثمَّ إياكمْ منَ التعدي على المالِ العامِّ بجميعِ صورِ التعدي، قولوا لكلِّ مَن أخذَ المالَ العامَّ واستحلَّهُ، أنَّهُ يأتي بهِ حاملًا على رقبتِهِ يومَ القيامةِ، يقولُ تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. (آلُ عِمْرانَ: 161). وروى الشيخانِ عنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: “قامَ فينا النبيُّ ﷺ فذكرَ الغلولَ، فعظَّمَهُ وعظَّمَ أمرَهُ، قالَ: لا ألفينَّ أحدَكم يومَ القيامةِ على رقبتِه شاةٌ لها ثغاءٌ، على رقبتِه فرسٌ له حمحمةٌ، يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رقبتِه بعيرٌ له رغاءٌ، يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رقبتِه صامتٌ، فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُك، أو على رقبتِه رقاعٌ تخفقُ، فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُك“.

فمَن غلَّ شاةً جيءَ بها يومَ القيامةِ تيعرُ وهي على كتفِهِ، ومَن غلَّ بعيرًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ ولهُ رغاءٌ يسمعُهُ أهلُ الموقفِ على كتفِهِ، ومَن غلَّ فرسًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ ولهُ حمحمةٌ، ومَن غلَّ شيئًا قليلًا أو كثيرًا إلَّا جُعلَ ناطقًا أمامَهُ، حتى الذهبِ والفضةِ؛ مَن غلَّ صامتًا، أي ذهبًا أو فضةً جاءَ بهِ يومَ القيامةِ يحملُهُ!!

إنَّ الكثيرَ منَّا قدْ تساهلَ في أمرِ المالِ العامِّ تساهلًا عظيمًا في هذا الزمانِ…

أحدُهم يضعُ هاتفَهُ الجوالَ جانبًا ثم يتكلمُ من هاتفِ العملِ في أمورِه الشخصيةِ!! وآخرُ يستخدمُ سيارةَ العملِ في قضاءِ حاجياتِه وحاجةِ أولادِه!! وثالثٌ لا يأبهُ من الخروجِ مبكرًا من العملِ بحجةِ أنَّهُ لا يوجدُ تقديرٌ للموظفِ من حيثُ الراتبِ أو العلاواتِ فهو ينتقمُ بطريقتِه الخاصةِ!! ورابعٌ يستخدمُ حاسوبَ العملِ في طباعةِ أوراقِه الخاصةِ!! وخامسٌ يستخدمُ فاكسَ الدائرةِ الحكوميةِ في إرسالِ سيرتِه الذاتيةِ هنا وهناك!! وسادسٌ يحملُ معهُ أقلامَ وأدواتِ العملِ إلى البيتِ ليوزعَها على أطفالِه!! وغيرُ ذلك من صورِ التعدي على المالِ العامِّ!! فأينَ نحنُ جميعًا من منهجِ سلفِنا الصالحِ في أعمالِهم وورعِهم وتقواهُم؟!!

ألا فبادرْ بالتوبةِ، فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لكلِّ من أخذَ مالًا خاصًا من أخيهِ، أو عامًّا من الدولةِ، أنْ يردَّ ما أخذَ من مظالمِ أهلِها، قبلَ أنْ يحملَ مظلمتَهُ على رقبتِه في الآخرةِ، ويُفضحَ بها على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ.

ثالثا: ظاهرة التفكك الأسري (مبادرة صحح مفاهيمك) .

لقدِ انتشرتْ في الآونةِ الأخيرةِ ظاهرةُ التفككِ الأسريِّ، لذلك جعلتْها وزارةُ الأوقافِ ضمنَ مبادرةِ (صححْ مفاهيمَك).

إنَّ الإسلامَ قدِ اهتمَّ بالأسرةِ اهتمامًا كبيرًا؛ لأنَّ الأسرةَ هي قوامُ المجتمعِ، وجعلَ الزواجَ بناءَ هذه الأسرةِ، وأحاطَهُ بسياجِ السكنِ والمودةِ والرحمةِ، وأخذَ الميثاقَ الغليظَ على الزوجينِ في استمراريةِ العلاقةِ الزوجيةِ، فقالَ تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 21). يقولُ القاسميُّ: “وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثَاقاً غَلِيظاً” أي: عهدًا وثيقًا مؤكدًا مزيدَ تأكيدٍ، يعسرُ معَهُ نقضُهُ، كالثوبِ الغليظِ يعسرُ شقُّهُ. وقالَ الزمخشريُّ: الميثاقُ الغليظُ حقُّ الصحبةِ والمضاجعةِ، ووصفَهُ بالغلظِ لقوتِهِ وعظمِهِ”. (محاسنُ التأويلِ).

وَنَظَرًا لِضُغُوطِ الْحَيَاةِ وَالْمَسْئُولِيَّةِ الْمُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ يَعْتَقِدَانِ أَنَّ إِنْهَاءَ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلَاقِ، هُوَ الْمَلَاذُ الْآمِنُ وَنِهَايَةُ الْمَطَافِ بِالْحَيَاةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْجَدِيدَةِ السَّعِيدَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} (النِّسَاء: 130). وَهَذَا فَهْمٌ خَاطِئٌ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَهُ آثَارُهُ الْمُدَمِّرَةُ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَهُوَ مُشْكِلَةٌ أُسْرِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، بِسَبَبِهَا تَفَرَّقَتِ الْأُسَرُ، وَتَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَضَاعَتِ الذُّرِّيَّةُ وَتَأَخَّرُوا فِي التَّعْلِيمِ وَالدِّرَاسَةِ، وَقُطِعَتِ الْأَرْحَامُ وَالصِّلَاتُ، وَكَثُرَتِ الْآثَامُ، وَانْعَدَمَتِ الرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَانْتَشَرَتِ الْجَرَائِمُ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَكَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ النَّفْسِيَّةُ عِنْدَ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَتَزَعْزَعَ الْأَمْنُ وَالِاسْتِقْرَارُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَخَاطِرِ وَالْآثَارِ السَّيِّئَةِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.

لِهَذَا فَإِنَّ إِبْلِيسَ يَبْعَثُ جُنُودَهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُ الْجُنْدِيَّ الْبَارِعَ – الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَدَمَ الْأُسْرَةَ – أَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً. فَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ». قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ» (مسلم). فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَنَبَّهَ لِذَلِكَ، وَأَنْ نَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾. وَقَوْلَ الرَّسُولِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ [أَيْ لَا يُبْغِضْ] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (مسلم).

 وكما قالَ الشاعرُ: إِذَا أَنْتَ لَمْ تَصْبِرْ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى …… ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ

وأخيرًا: نداءٌ ورسالةٌ إلى الزوجينِ:

فأقولُ للزوجِ: أيُّها الزوجُ، يا مَن تريدُ طلاقَ زوجَتِكِ، كيفُ هي حياتُكَ بعدَهَا؟ وكيف سيكونُ أبناؤُكَ وبناتُكَ؟ وإلى أيِّ مآلٍ ستتجهُ حياتُكَ واهتماماتُكَ؟ فاللهَ اللهَ في الحكمةِ والصبر، والتدرجِ في معالجةِ الأمورِ، وجَرِّبِ النُّصْحَ لِزَوْجِكَ، وامتثلْ قولَهُ تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }.(النساء: ) وَحَاوِلِ الصُّلْحَ بِحَكَمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمٍ مِنْ أَهْلِكَ. { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }.(النساء: ). وكنْ لزوجِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي” .(الترمذي وحسنه). واحذرْ من الغفلةِ والغضبِ التي توردُكَ مواردَ الندمِ والحسرةِ.

وأقولُ للزوجةِ: أيّتُها الزوجةُ، يا مَن تريدينَ الطلاقَ، استشعرِي ما هو حالُكِ بعدَ أنْ تفقدِي نعمةَ الزوجِ، سيئولُ للعنوسةِ والوحدةِ والانطواءِ، وحملِ لقبٍ منبوذٍ في المجتمعِ (مطلقة)، وقد لا يقدرُ اللهُ لكِ زواجًا آخرَ، واصبرِي على علّاتِ زوجِكِ، واحتسبِي الأجرَ على ذلك، وانظرِي إلى مواطنِ الإيجابيةِ فيه، واعلمِي أنّ طاعتكِ لزوجكِ وخدمتكِ لأولادكِ طريقٌ إلى الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:  «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ».( ابن حبان وصححه الأرنؤوط)، واحذرِي أنْ تطلُبِي منهُ الطلاقَ من غيرِ سببٍ واضحٍ، فذلك ذنبٌ عظيمٌ وعقوبتُهُ عظيمةٌ. فعَنْ ثَوْبَانَ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ “(ابن ماجة بسند صحيح).

فما أجملَ أنْ يعيشَ الزوجانِ في عشِّ الزوجيةِ تحتَ ظلالِ الحبِّ والسكنِ والمودةِ والرحمةِ، حتى يسودَ الأمنُ والاستقرارُ بينَ الأسرِ وأفرادِ المجتمعِ.

فعليكُمُ التحمُّلَ والصبرَ والرضا، فالميثاقُ الغليظُ الذي بين الزوجينِ يقتضِي أنْ يتحمَّلَ كلٌّ منهما هفواتِ الآخرِ، يقولُ أبو الدرداءِ -رضيَ اللهُ عنه- لزوجتِهِ أمِّ الدرداءِ: “إذا رأيتنِي غاضبًا فرضِّينِي، وإذا رأيتُكِ غضبَى رضَّيتُكِ. وإلّا لم نصطحبْ”. فبالودِّ والمسامحةِ والمحبةِ تدومُ العشرةُ، وبدونِها لا توجدُ ألفةٌ ولا عشرةٌ.

ولو أنّ كِلَا الزوجينِ وقفَ عندَ هفواتِ الآخرِ، ما استمرتْ الحياةُ، بل صارتْ إلى هدمٍ وزوالٍ، وما صارَ أحدٌ مع زوجتِهِ في المجتمعِ كلِّه، فلابدَّ لكلٍّ منهما أنْ يتحمَّلَ صاحبَهُ، حتى تستقرَّ الأسرُ والمجتمعُ.

فضل شهرُ رجبَ

أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ الأمَّةَ الإسلاميَّةَ في هذهِ الأيَّامِ المباركةِ تستقبلُ شهرًا كريمًا عزيزًا علينا؛ ألا وهو (شهرُ رجبَ)؛ ورجبٌ مأخوذٌ من التعظيمِ والتوقيرِ؛ فيُقالُ: رجبُ المعظَّمِ. قالَ ابنُ منظورٍ: “رَجِبْتُ الشيءَ: هِبْتُهُ. ورَجَّبْتُهُ: عَظَّمْتُهُ؛ ورَجَبٌ شهرٌ سمَّوْهُ بذلك لتعظيمِهم إيَّاهُ في الجاهليَّةِ عنِ القتالِ فيهِ؛ ولا يَسْتَحِلُّون القتالَ فيهِ.” (لسانُ العربِ)

ومن فضلِ اللهِ تعالى على أُمَّةِ محمَّدٍ ﷺ أنْ جعلَ لهم مواسمَ للطَّاعاتِ تتضاعفُ فيها الحسناتُ، وتُرفَعُ فيها الدَّرجاتُ، ويُغفَرُ فيها كثيرٌ من المعاصي والآثامِ والسيِّئاتِ، فالسعيدُ من اغتنمَ هذهِ الأوقاتِ وتعَرَّضَ لهذهِ النَّفحاتِ، ومن هذهِ النَّفحاتِ شهرُ رجبَ وما بعدهُ من شهورٍ؛ فنحنُ في بدايةِ موسمِ الطاعاتِ؛ فكما أنَّ لكلِّ إنسانٍ في الدنيا موسمًا تجاريًّا يَغْنَمُ ويَربَحُ فيهِ حسبَ مهنتهِ ووظيفتهِ ونشاطهِ التجاريِّ؛ فكذلك ينبغي على كلِّ إنسانٍ يريدُ أنْ يربحَ في تجارتِهِ معَ اللهِ أنْ يَتَحَرَّى موسمَ الحسناتِ والطاعاتِ والبركاتِ والنَّفحاتِ؛ لهذا حثَّنا ﷺ على اغتنامِ هذهِ النَّفحاتِ حيثُ قالَ: “اطلبوا الخيرَ دَهْرَكُم، وتعرَّضوا لنفحاتِ رحمةِ ربِّكم، فإنَّ للهِ نفحاتٍ من رحمتِهِ يصيبُ بها من يشاءُ من عبادهِ، فاسألوا اللهَ أنْ يَستُرَ عوراتِكم ويُؤمِّنَ روعاتِكم” (أخرجهُ الطبرانيُّ والبيهقيُّ)، وقالَ أيضًا ﷺ: “إنَّ لربِّكم في أيَّامِ الدهرِ نفحاتٍ، فتعَرَّضوا لها، لعلَّ أحدكم أنْ تصيبَهُ نفحةٌ فلا يشقى بعدها أبدًا” (أخرجهُ الطبرانيُّ).

نسألُ اللهَ أنْ يلهمَنَا رشدَنَا، وأنْ يوفقنا لطاعته، وأن يرزقنا الرزق الحلال ويبارك لنا فيه، وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب، وأن يحفظ َ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.. 

اقرأ أيضا:

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 19 ديسمبر 2025م ـ 28 جمادى الآخرة 1447هـ

وكيل الأزهر: الفتوى من أهم الآليات الشرعية في ترسيخ قيم السلم المجتمعي

وكيل رابطة العالم الإسلامي: الفتوى تسهم في حماية الإنسان وتصون كرامته

قاضي قضاة فلسطين: محاولات انتزاع المسجد الأقصى والمقدسات لن تنجح

وزير الأوقاف: الفقيهَ الحق ينفذ ببصيرتِه إلى أحوال الناس وواقعهم ومعايشهم

مفتي الجمهورية: الفتوى صناعة علمية راسخة تقوم على أصالة الدليل ومستجدات العصر

انطلاق فعاليات ندوة الفتوى وقضايا الواقع الإنساني

مفتي الجمهورية يستقبل ضيوف ندوة الفتوى وقضايا الواقع الإنساني

شهر رجب يهل بعد 5 أيام

الرابط المختصر

search