الجمعة، 19 سبتمبر 2025

05:26 م

لصق أوراق الأذكار في الأماكن العامة.. مفتي الجمهورية يوضح الحكم

الجمعة، 19 سبتمبر 2025 04:00 م

السيد الطنطاوي

دار الإفتاء المصرية

دار الإفتاء المصرية

قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، إنه يجوز وضع ملصقات الأذكار في الأماكن العامة، إذا تحقق فيه الحفظ اللائق لكل ما فيه اسم الله تعالى، والتنسيق مع الجهات المختصة المسؤولة عن تلك الأماكن، ومراعاة القوانين واللوائح المنظِّمة للأماكن العامة، فإذا لم يتحقق ذلك فلا يجوز تعليقها حينئذ.

ولا تجوز مخالفة أحد الأمور سالفة الذكر بحجة أن وضع الملصقات فيه دعوة إلى الله بتذكير للناس بما تحويه من أذكار؛ إذ ليس هذا متعينًا بهذه الوسيلة، فضلًا عن وجود وسائل متعددة لا يُخشى معها امتهان شيء مما كتبت عليه الأذكار، أو التعدي على اختصاص بعض الجهات، أو الإخلال بما تقتضيه اللوائح والقوانين.

جاء ذلك ردا على سؤال مفاده: ما حكم لصق أوراق الأذكار في الأماكن العامة؟ فقد اقترح عليَّ بعض الأصدقاء القيام بطباعة ملصقات للأذكار لتعليقها في بعض الأماكن العامة حيث يكثر وجود الناس فيها؛ تذكيرًا لهم بذكر الله عز وجل، فاعترض علينا أحد الأشخاص بحجة أن في ذلك امتهانًا لاسم الله تعالى.

بيان فضل عبادة الذكر

وأوضح الدكتور نظير عياد، أنه من المقرر شرعًا أنَّ ذِكْرَ الله تعالى عبادةٌ جليلة القدر، عظيمة الأجر، كثيرة النفع والخير، وقد امتدح الله الذاكرين والذاكرات، وفي القرآن نداءات لحث المؤمنين والمؤمنات على الإكثار من ذكر الله عزَّ وجلَّ؛ فقد قال تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب 41-42]، وقد بيَّنت السنة النبوية فضل ذكر الله عزَّ وجلَّ بأحاديث كثيرة، منها: ما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» أخرجه الترمذي.

بيان وجوب تعظيم واحترام ما كتب عليه اسم الله

وقال إن الأذكار قد تقرأ من المحفوظ أو من المكتوب، وقد يكون المكتوب معلقًا على حوائط مثلًا أو محمولًا في أوراق، أو مدرجًا في كتب، أو في وسائل رقمية حديثة.

وقد عَظَّمَ الشَّرعُ الشريفُ حرمةَ الكتب والأوراق التي تحتوي على آياتٍ قرآنية وأحاديثَ نبوية وأسماءٍ معظمة كأسماء الله تعالى وأسماء الأنبياء والرسل عليهم السلام، وأوجب صيانتَها واحترامَها، قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 6، ط. المكتبة الإسلامية): [فإنَّ القرآنَ وكلَّ اسمٍ معظم كاسم الله أو اسم نبي له -يجبُ احترامُه وتوقيرُه وتعظيمُه] اهـ.

وقال الشيخ قليوبي في "حاشيته على شرح المحلي على المنهاج" (4/ 177، ط. دار الفكر): [والمراد بالمصحف ما فيه قرآن، ومثله الحديث وكل علم شرعي أو ما عليه اسم معظم] اهـ.

واحترامُ هذه الأشياء وتوقيرُها من تعظيم شعائرِ الله سبحانه وتعالى، قال جل شأنه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30]، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

قال الإمام الآلوسي في تفسيره "روح المعاني" (9/ 141، ط. دار الكتب العلمية): [﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ جمع حرمة وهو ما يحترم شرعًا] اهـ.

من مظاهر تعظيم واحترام ما كتب عليه اسم الله

وقال: يلاحظ في كتب العلماء مراعاة الاحترام والتعظيم مع هذه النصوص؛ فقد كره الفقهاءُ وضْعَ المصحف وكُتُب العلم الشرعي على الأرض من غير حاجة، كما كرهوا مدَّ الرِّجْل إليها إلا أن تكون في مكانٍ مرتفع عن المحاذاة، وكرهوا كذلك وضع شيء فوقها، حتى لو كانت كتبًا أخرى غيرها أو ملابس أو غير ذلك، فضلًا عن الجلوس عليها؛ توقيرًا لما فيها من ذِكْر الله سبحانه وتعالى وما تحويه من علوم الشريعة، كما في "فتح القدير" للكمال ابن الهمام الحنفي (1/ 420، ط. دار الفكر)، و"الفتاوى الحديثية" للعلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي (ص: 164، ط. دار الفكر)، و"شرح منتهى الإرادات" للعلامة البهوتي (1/ 78، ط. عالم الكتب).

وكذلك كره الفقهاءُ أن يُلَفَّ شيء بورق فيه اسم الله تعالى، أو اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو علم شرعي، أو غيرها مما يعظم ويحترم، كما في "بريقة محمودية" لأبي سعيد الخادمي (4/ 81، ط. الحلبي)، و"نهاية المحتاج" للعلامة شمس الدين الرملي (1/ 126، ط. دار الفكر).

ولا يخفى أن رفع وتكريم وتعظيم ما يوجد في الطرقات من الأوراق التي فيها اسم الله تعالى، أو اسم نبي من الأنبياء عليهم السلام، فيه أجرٌ كبير، كما في "المدخل" لابن الحاج المالكي (1/ 42، ط. دار التراث).

حكم لصق أوراق الأذكار في الأماكن العامة

وأكد أن وضع ملصقات الأذكار في الأماكن العامة، كالحدائق، والأندية، والطرق، والممرات، والمجمعات التجارية، والفنادق، والمطاعم، والمتاحف، والمنشآت الطبية والتعليمية، ووسائل النقل المختلفة، والأسواق ونحو ذلك، لا بد فيه من مراعاة الأمور الآتية:

أولًا: ضرورة الحفظ اللائق لكلِّ ما فيه اسم الله تعالى من مصحف، أو كتاب، أو ورق، ونحو ذلك؛ لما قد تتعرض إليه هذه الآيات أو الأذكار الملصقة على الجدران مثلًا مما لا يليق بها، إما بسقوطها، أو إتلافها، أو بتعرضها للأوساخ والأتربة، أو العبث بها من قِبل من لا يعرف قيمتها، أو غير ذلك مما يجعلها عرضة للامتهان، مما يؤدي لعدم حسن التعامل معها ولو بدون قصد، وهو المعنى الذي من أجله حكم الفقهاء بكراهة كتابة قرآن أو ذكر على موضِع يصير فيه المكتوب عرضةً للامتهان، بل وحرمته، وهذا يوضحه ما رواه أبو عُبَيْد القاسم بن سلّام في "فضائل القرآن" (ص: 121، ط. دار ابن كثير) وابن بطة في "الإبانة" (5/ 325، ط. دار الراية) والمستغفري في "فضائل القرآن" (1/ 200) عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: "لا تكتبوا القرآنَ حيثُ يُوطَأُ"، وبوَّب له الحافظ المستغفري بقوله: "باب ما جاء في النهي عن كتابة القرآن على الأرض أو على شيء يُوطَأ؛ تعظيمًا له".

قال العلامة الشيخ الضباع في رسالته "فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن": [ولا يجوز كتبه على الأرض، ولا على بساط ونحوه مما يُوطَأُ بالأقدام] اهـ.

وينظر: "فتح القدير" للإمام كمال الدين ابن الهُمَام (1/ 169، ط. دار الفكر)، و"البحر الرائق" للإمام زين الدين ابن نُجَيْم (2/ 40، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البَرَكَات الدَّرْدير -في بيان كراهة الكتابة على كلِّ موضِعٍ يُتَوقَّعُ فيه إهانةُ المكتوبِ بوطئه بالأقدام ونحو ذلك- (1/ 425، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للإمام النَّوَوِي الشافعي (2/ 70، ط. دار الفكر)، و"الفروع" للإمام ابن مُفلِحٍ -في بيان كراهة الكتابة على الدراهم وما قد يُنْثَرُ فَيُمْتَهَن- (6/ 317، ط. مؤسسة الرسالة).

فإذا انتفت هذه المعاني زالت الكراهة، فكتابة آيات القرآن على القبر مثلا ليست حرامًا في المعتمد عند الشافعية، وقد عللوا ذلك بإمكان تلافي المحاذير التي تؤدي إلى الامتهان.

قال العلامة الشمس الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 34): [وما ذكره الأذرعي من أن القياسَ تحريمُ كتابة القرآن على القبر؛ لتعرضِه للدوس عليه والنجاسِة والتلويثِ بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة: مردود بإطلاقهم، لاسيما والمحذورُ غيرُ محقَّق] اهـ.

ويدل عليه ما رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى -حكايةً عن زكريَّا على نبينا وعليه الصلاة والسلام-: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: 11]، قال: "كتب لهم على الأرض: أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا"، نقله عنه الآلوسي في "روح المعاني" (8/ 391)، ثم قال: [وهو الرواية الأخرى عن مجاهد، لكن بلفظ: "على التراب"، بدل "على الأرض"] اهـ.

ثانيًا: التنسيق مع الجهات المختصة المسؤولة التي تخضع لها تلك الأماكن في إدارتها والإشراف عليها؛ إذ لا بد من علمها واستئذانها في وضع تلك الملصقات، وإلا كان هذا تعديًا على اختصاص تلك الجهات.

ثالثًا: مراعاة ما تقتضيه القوانين واللوائح المنظِّمة لبعض تلك الأماكن العامة، والتي من شأنها الحفاظ على المظهر الحضاري والجمالي لها؛ حيث إن عدم التمسك بتلك القوانين واللوائح يعد مخلًّا ومخالفًا للنظام العام، فضلًا عما قد يحدثه من تشويه لحوائط تلك الأماكن.

فإذا تحققت تلك الأمور، وانتفت المحاذير المذكورة، جاز تعليق ملصقات الأذكار في الأماكن العامة؛ إرشادًا للناس إلى ما فيه الخير والنفع لهم.

ولا تجوز مخالفة أحد الأمور سالفة الذكر بحجة أن وضع الملصقات فيه دعوة إلى الله بتذكير للناس بما تحويه من أذكار؛ إذ ليس هذا متعينًا بهذه الوسيلة، فضلًا عن وجود وسائل متعددة لا يُخشى معها امتهان شيء مما كتبت عليه الأذكار، أو التعدي على اختصاص بعض الجهات، أو الإخلال بما تقتضيه اللوائح والقوانين.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فإنه يجوز وضع ملصقات الأذكار في الأماكن العامة، إذا تحقق فيه الحفظ اللائق لكلِّ ما فيه اسم الله تعالى، والتنسيق مع الجهات المختصة المسؤولة عن تلك الأماكن، ومراعاة القوانين واللوائح المنظِّمة للأماكن العامة، فإذا لم يتحقق ذلك فلا يجوز تعليقها حينئذ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا:

مفتي الجمهورية: برامج تدريبية وتأهيلية للعلماء والمفتين بدولة كازاخستان

خطبة وزارة الأوقاف اليوم الجمعة 27 ربيع الأول 1447هـ ـ 19 سبتمبر 2025م

خطبة الجمعة القادمة للشيخ خالد القط 27 ربيع الأول 1447هـ ـ 19 سبتمبر 2025م

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 19 سبتمبر 2025م ـ 27 ربيع الأول 1447هـ

متى يباح للمصلي قطع الصلاة؟.. دكتور شوقي علام يجيب

حكم القنوت في كل صلاة فجر.. مفتي الجمهورية يوضح الحكم

مفتي الجمهورية يحذر من "زواج النفحة": احتيال على الشرع

مفتي الجمهورية: ما يحدث في غزة جرح مفتوح في قلب العدالة الإنسانية

القدر الواجب على المسلم حفظه من القرآن الكريم.. دكتور على جمعة يوضح

كيف أحدد ساعة إجابة الدعاء يوم الجمعة؟.. دكتور شوقي علام يجيب

ذكر اسم شخص والدعاء له في الصلاة.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم

الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة 19 سبتمبر 2025م ـ 27 ربيع الأول 1447هـ

السيد الطنطاوي يكتب: الإنسان بين كاميرا الموبايل والكاميرا الإلهية!!

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم 12 سبتمبر 2025م ـ 20 ربيع الأول 1447هـ

خطبة الجمعة القادمة 20 ربيع الأول 1447هـ ـ 12 سبتمبر 2025م للشيخ خالد القط

بعنوان “اترك عند الناس أطيب الأثر”.. الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة 12 سبتمبر 2025م ـ 20 ربيع الأول 1447هـ

كيفية النداء لصلاتي الكسوف والخسوف.. دكتور شوقي علام يوضح

تعرف على كيفية صلاة خسوف القمر اليوم.. الإفتاء توضح

هل يجوز قضاء صلاة الكسوف أو الخسوف؟.. مفتي الجمهورية يوضح

مفتي الجمهورية: المولد النبوي بداية فجر جديد للبشرية

حكم جمع النقود بالمسجد بين خطبتي الجمعة الأولى والثانية.. الإفتاء ترد

دار الإفتاء ترد على من يحرمها: شراء وتوزيع حلاوة المولد حلال

صيام يوم المولد النبوي.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم

حكم الذكر والابتهالات الجماعية.. دكتور علي جمعة يوضح

دكتور شوقي علام: قراءة القرآن للأموات بالمقابر ليست بدعة

الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: التَّاتُّو حلال في حالتين فقط

مفتي الجمهورية: الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جائز شرعا

الرابط المختصر

search