الأربعاء، 08 أكتوبر 2025

01:30 م

علاء الدين رجب يكتب: هل تنبأ الكاريكاتير بتأثير الذكاء الاصطناعي في انتشار الأخبار المزيفة

الأربعاء، 08 أكتوبر 2025 11:14 ص

مهندس علاء الدين رجب

م/ علاء الدين رجب – خبير التحول الرقمي

م/ علاء الدين رجب – خبير التحول الرقمي

رغم مرور أكثر من عقدين من الزمان على هذا الكاريكاتير الذي يصوّر "بينوكيو" يرفع حروف كلمة FAKE NEWS قائلاً بثقة: "إنها على الإنترنت، إذن فلابد أنها صحيحة!"، إلا أن المشهد ما زال يلخّص حالاً يتفاقم يومًا بعد يوم وخاصة مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي: ضحالة المتلقي للمعلومة، واستسلامه للإيحاء أكثر من تحريه للحقيقة.

في بدايات الإنترنت، كان المستخدم رغم محدودية أدواته ، أكثر وعيًا في عملية البحث، وكان يطّلع على عدة مصادر، يقارن، ويكوّن رأيه الشخصي حتى لو كانت بعض تلك المصادر مضلّلة أو منحازة.

 أما اليوم، فقد تغيّر المشهد جذريًا.، وزاد عدد المعلومات، وتضخّم سيل المحتوى، وتراجع الحس النقدي أمام سرعة الإجابة وسهولة الوصول.

الأخطر أن أدوات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها ChatGPT وغيرها من النماذج التوليدية، عزّزت هذا الوهم المعرفي، إذ أصبح كثير من المستخدمين يتلقّون الإجابات التي تنتجها هذه الأنظمة كأنها حقيقة نهائية لا تقبل النقاش، دون أن يتساءلوا: من أين جاءت هذه المعلومة؟ وما مدى دقتها؟ وهل يمكن أن تكون ناقصة أو متحيّزة؟

في ميزان الإسلام، التوقف عن التفكير والتلقي بلا تمعن ليس مجرد خطأ معرفي، بل خطيئة فكرية وأخلاقية، فقد رفع الإسلام من شأن العقل، وجعل إعماله عبادة، وربطه بالمسؤولية الفردية عن الفهم والاختيار، يقول الله تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ"

فالذين يعطلون عقولهم ويكتفون بالترديد والتقليد، وُصفوا في القرآن بأنهم كالدواب، لأنهم فقدوا الميزة التي كرّم الله بها الإنسان: التفكير الحرّ والتعقل الواعي.

المفارقة أن التكنولوجيا التي كان يفترض أن توسّع مداركنا، أصبحت تضيقها؛ لأنها تُريح عقولنا من عناء البحث والتحقق، ولم يعد السؤال: هل المعلومة صحيحة؟، بل صار: هل الذكاء الاصطناعي قالها؟

كما أن الإسلام رفض أن يُبنى الإيمان أو الرأي أو الموقف على التقليد الأعمى أو الانسياق وراء الشائع.

 قال تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا" فوبّخ الله تعالى هؤلاء لأنهم استبدلوا التفكير بالاتباع الأعمى، ورضوا أن تكون عقولهم مرهونة لما قاله غيرهم دون نظر أو برهان.

هذه الآية لا تخص العقيدة وحدها، بل تنسحب على كل مجالات الحياة، ومنها اليوم الاعتماد على التقنية أو المحتوى الجاهز دون تمحيص، فالخطر الحقيقي ليس في "المزيف" الذي يُنتج، بل في "العقل" الذي يتوقف عن التفكير.

إن التحدي اليوم ليس في وفرة المعلومات، بل في وعي الإنسان في التعامل معها. المطلوب أن نستعيد مهارة الشك الإيجابي، وأن نعيد تعريف الذكاء لا كقدرة على الوصول السريع للمعلومة، بل كقدرة على التمييز والتحليل والمساءلة.

والقرآن جعل التحقق من المعلومة شرطًا للإيمان الحقّ والسلوك القويم، فقال تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ" هذه الآية ترسم منهجًا معرفيًا سبق كل مناهج التحقق الحديثة: لا تُقبل الأخبار دون تمحيص، ولو من مصدر موثوق ظاهريًا. فكيف بعصر تتعدد فيه المصادر وتتشابك فيه الخوارزميات التي قد تحرف المعلومة أو تصنعها؟

الواقع اليوم أعمق من مجرد خبر كاذب، فنحن نواجه خطرًا ثقافيًا جديدًا: الاستسلام للآلة بدل العقل. وإذا كان الإسلام قد حارب التلقي الأعمى منذ قرون، فواجبنا اليوم أن نُحيي هذا الوعي من جديد. فالعقل الذي كرّمه الله لا يُستبدل بخوارزمية، والبحث عن الحقيقة لا يمكن أن يكون بضغطة زر واحد.

الرابط المختصر

search