بعنوان "الرسول المعلم صلّى الله عليه وسلّم"
الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة 19 سبتمبر 2025م ـ 27 ربيع الأول 1447هـ
الأحد، 14 سبتمبر 2025 09:43 ص
السيد الطنطاوي

وزارة الأوقاف
أعلنت وزارة الأوقاف عن اصدار الدليل الإرشادي “زاد الأئمة والخطباء” لـ خطبة الجمعة القادمة بعنوان “الرسول المعلم صلّى الله عليه وسلّم”، بتاريخ 27 ربيع الأول 1447هـ ، الموافق 19 سبتمبر 2025م.
وأوضحت الوزارة أن الهدف المراد توصيله من الخطبة، بيان سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم في التعليم، والتي ندرك منها أهمية طلب العلم والسبل الصحيحة لتحصيله، وأنه لابد من العلم والتعليم، وتجديد دوافع النجاح مع بداية العام الدراسي الجديد.
الرسول المعلم صلّى الله عليه وسلّم
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على الرسول المعلم، وعلى آله وصحبه وشرف وكرّم؛ أما بعد:
فلقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُعلِّمًا، اختاره الله تعالى لتعليم البشرية دينَ الله وشريعتَه الخاتمةَ والخالدةَ، وليس في الدنيا أغلى على الله من (دين الله تعالى)، فاختار الله سبحانه لنشرِه وتعليمِه أفضلَ الأنبياء والرُّسُل سيدَنا محمداً عليه وعليهم أفضلُ الصلاة والسلام، وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: ٢].
كمال شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم التعليمية
وكان هذا المُعلِّم المصطفى من الله تعالى لتبليغ شريعتِه للناس، معلِّماً بمظهَرِه ومَخبَرِه، وحالِه ومقالِه، وجميع أحوالِه، فتكامُلُ شخصيتِه الشريفة أسلوبٌ مُعلِّم للمُتعلِّمين أن يكونوا كمثالِه الشريف وهَدْيِه الـمُـنيف.
وإن من أهم صفاتِ المعلِّم أن يكون في ذاته مُتكامِل المحاسِن عقلاً وفضلاً، وعلماً وحكمةً، ومَنظراً ورُواءً، ولَباقةً ولِياقةً، وحركةً وسكوناً، وطِيبَ حديثٍ، وذكاءَ رائحةٍ، ونظافةَ ثيابٍ، وجمالَ طَلْعةٍ، وحُسنَ منطِقٍ وتَصرُّفٍ وإدارةٍ.
وقد كان كلُّ هذا في ذاتِ الرسول المُعلِّم صلى الله عليه وسلم على أتمِّ وجهٍ وأعلى حُسنٍ واكتمال، فهو معلِّم بذاتِه الشريفة النَّموذجية لكل متعلِّم ومُسترشِد، فهو صلى الله عليه وسلم تَتَمثَّل فيه غايةُ التعليم بأساليبِه المختلفة، لأن كلَّ تلك الوسائل والأساليب تتوجَّه لأن يكون المسلمُ مُحقِّقاً لقوله تعالى: {كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠]، فهذا الكمالُ الجامعُ فيه صلى الله عليه وسلم غايةُ الغايات من جميع الأساليب، وزُبدةُ التعليم والتهذيب، ولقد حَظِيَتْ ذاتُه الشريفة بأعلى الثناء العزيز الفريد، المؤكَّد من الله تعالى كلَّ التأكيد، بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} [القلم: ٤].
الصحابة الكرام أكبر دليل على عظمة الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم
ليس هناك مِن المربّين مَن تخرَّج على يديه عددٌ أوفَرُ وأهدى من هذا الرسول الكريم، الذي تخرَّج به هؤلاء الأصحابُ والأتباع، فكيف كانوا قبلَه؟ وكيف صاروا بعده؟! إن كل واحد من هؤلاء الأصحاب دليلٌ ناطقٌ على عِظَم هذا المعلِّم المربّي الفريد الأوحد.
حتى قال بعض الجَهابذة من الأصوليين: "لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزةٌ إلا أصحابَه، لَكَفَوْه لإثبات نبوته". [الفروق للقرافي]
ومن تأمَّلَ حُسْنَ رعايتِه للعَرَبِ مع قَسوةِ طِباعِهم، وشِدّة خُشونتهم، وتنافُرِ أمزجتِهم، وكيف ساسَهم واحتمَل جَفاءَهم، وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه، والتفّوا حوْلَه، وقاتلوا أمامَه ودونَه أعزَّ الناسِ عندهم، آباءَهم وأقاربَهم، وآثروه على أنفسهم، وهجروا في طاعته ورِضاه أَحِبّاءَهم وأوطانهم، وعشيرتَهم وإخوانهم، وكان كلُّ ذلك -وأعظَمُ منه- منهم له صلى الله عليه وسلم، وهو لم يُمارِس الكتابة والقراءة، ولا طالَعَ كُتُبَ الماضين، ولا أخبار المُرَبّين السّالفين، ... من تأمَّل هذا تحقّقَ له بنظرِ العقلِ أنه صلّى الله عليه وسلم هو المعلِّمُ الأوَّلُ، والنبيُّ المرسَل، وأنه سيِّدُ العالمين، صلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عليه. [الرسول المعلم]
إنما بُعِثتُ مُعلِّماً
هذا المعلِّم للخير صلى الله عليه وسلم -مع أنه أُمّي لا يقرأ ولا يكتب- قد منحه الله تعالى العلمَ الذي لا يُدانيه أحدٌ من البشر، وأتمَّ عليه النعمة بما آتاه من شخصيةٍ فَذّة جامعةٍ فريدة، وامتنَّ عليه بقوله سبحانه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣].
فنهض صلى الله عليه وسلم يَنشُرُ العلم في الناس ويُذيعه بينهم، وكان بحقٍّ المعلِّمَ الأوَّلَ للخير في هذه الدنيا، في جَمال بيانه، وفَصاحة لسانه، ونَصاعةِ منطقه، وحلاوة أسلوبه، ولُطفِ إشارته، وإشراق روحه، ورحابة صدره، ورِقّة قلبه، ووَفْرةِ حَنانه، وحَكيم شِدَّتِه، وعظيم انتباهه، وسُموِّ ذكائه، وبالِغ عنايته، وكثيرِ رِفْقِه بالناس، حتى قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعِثتُ مُعلِّماً» [رواه ابن ماجه].
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة، وتَرْكِ العَنَتِ وحُبّ اليُسر، والرِّفق بالمتعلِّم، والحِرصِ عليه، وبَذْلِ العلم والخير له في كل وقت ومناسبة: بالمكان الأسمى والخُلُقِ الأعلى، قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا». [رواه مسلم]
وكان صلى الله عليه وسلم يُعطي كل واحد من جُلسائه وأصحابه حقَّه من الالتفات إليه والعناية به، حتى يظُنَّ كل واحد منهم أنه أحبُّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم أتَمَّ ما يكون تواضُعاً للمتعلِّم، والسائل المستفيد، والضعيف الفَهْم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما أنَا لكُم مِثلُ الوالِدِ لولدِهِ أُعلِّمُكُم».[رواه ابن ماجه]
قال العلاّمة الـمُناوي: "ما أنا لكم إلاّ مثلُ الوالد وبمنزلةِ الوالد، في الشفقة والحُنُوّ، لا في الرُّتْبة والعُلُوّ، وفي تعليم ما لا بُدَّ منه، فكما يُعلِّمُ الأبُ ولدَه الأدب، فأنا أُعلِّمُكم ما لكم وما عليكم، وأبو الإفادة أقوى من أبي الوِلادة، وهو الذي أنقَذَنا الله به من ظلمة الجهل، إلى نور الإيمان". [فيض القدير]
أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار في تعليمه من الأساليب أحسنَها وأفضَلَها، وأَوْقَعَها في نفسِ المخاطب وأقربَها إلى فَهمه وعقلِه، وأشدَّها تثبيتاً للعلم في ذهن المخاطب، وأكثرها مُساعَدةً على إيضاحه له.
ومن دَرَس كُتُب السُّنّة وقرأها بإمعان رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُلوِّن الحديث لأصحابه ألواناً كثيرة، فتارةً يكون سائلاً، وتارةً يكون مُجيباً، وتارةً يُجيبُ السائلَ بقَدْرِ سُؤالِه، وتارةً يَزيدُه على ما سأل، وتارةً يَضرِبُ المثلَ لما يُريد تعليمَه، وتارةً يُصحِبُ كلامَه القَسَمَ بالله تعالى، وتارةً يَلْفِتُ السائلَ عن سُؤاله لحكمةٍ بالغةٍ منه صلى الله عليه وسلم، وتارةً يُعلِّم بطريق الكتابة، وتارةً بطريق الرَّسْم، وتارةً بطريق التشبيه أو التصريح، وتارةً بطريق الإبهام أو التلويح.
وكان صلى الله عليه وسلم تارةً يورِدُ الشبهة ليَذكُرَ جوابَها، وتارة يَسلُكُ سبيل المُداعبة والمُحاجاةِ فيما يُعلِّمُه، وتارةً يُمهِّدُ لما يَشاءُ تعليمَه وبيانَه تمهيداً لطيفاً، وتارةً يَسلُكُ سبيلَ المُقايَسةِ بين الأشياء، وتارةً يُشيرُ إلى عِلَلِها لذِكرِ جوابِها، وتارةً يَسألُ أصحابَه وهو يَعْلَم ليمْتَحِنَهم بذلك، وتارةً يَسألُهم لِيُرشِدَهم إلى موضع الجواب، وتارة يُلقي إليهم العلمَ قبل السُّؤال، وتارةً يَخُصُّ النساءَ ببعض مجالسه ويعلمهُنَّ ما يحتجن إليه من العلم، وتارةً يُراعي حالَ من بحضرتِه من الأطفال والصِّغار، فيَتنزَّلُ إليهم بما يُلاقي طفولتهم ولَهوَهم البريء، إلى غير ذلك من فُنون تعليمِه صلى الله عليه وسلم. [الرسول المعلم]
لا بدّ من العلم والتعليم
إنَّ العلم هو أساس كل تقدم ورقي، وهو النور الذي يضيء دروب الحياة، وبه تنهض الأمم، وتزدهر الحضارات، وقد جاءت نصوص الشريعة الإسلامية الغراء لتؤكد على عِظَمِ شأن العلم وفضل أهله، فكانت أول آية نزلت في القرآن الكريم تدعو إلى القراءة والعلم، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١].
قال الإمام الماوَرْدي: "وليس يجهل فضل العلم إلا أهل الجهل؛ لأن فضل العلم إنما يُعرف بالعلم". [أدب الدنيا والدين]
وقال حجة الإسلام الإمام الغزالي عن قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨]: "فانظر كيف بدأ سبحانه بنفسه، وثنَّى بالملائكة، وَثَلَّثَ بأهل العلم، وناهيك بهذا شرفًا وفضلًا وجلاء ونبلًا ...، العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار، والدرجات العُلَى، والتفكر فيه يُعْدَلُ بالصيام، ومدارسته بالقيام به، به يطاع الله، وبه يعبد وبه يوحد وبه يمجد، وبه يُتَوَرَّعُ، وبه تُوصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، وهو إمام، والعمل تابعه، يُلْهَمُهُ السعداء، ويُحْرَمه الأشقياء". [إحياء علوم الدين].
وقال الإمام القرطبي: "في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء.
وقال في شرف العلم لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤]، فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم". [الجامع لأحكام القرآن].
وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدُّنيا مَلْعونةٌ، مَلْعونٌ ما فيها، إلَّا ذِكْرُ اللهِ وما وَالَاهُ، وعالِمٌ أو مُتَعَلِّمٌ» [رواه الترمذي].
وعَنْ سيدنا أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لَأَنْ [بفتح اللام] تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ، عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ». [رواه ابن ماجه].
وقال سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه: "لَأَنْ أَتَعَلَّمَ مَسْأَلَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِيَامِ ليلة". وقال أيضًا: "من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد، فقد نقص في رأيه وعقله". [إحياء علوم الدين].
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله: "كنت عند مالك أقرأ عليه العلم، فدخل الظهر، فجمعت الكتب لأصلي، فقال: يا هذا ما الذي قمت إليه بأفضل مما كنت فيه إذا صحت النية". [إحياء علوم الدين].
وقال أبو مسلمٍ الْخَوْلاَنِىِّ رحمَهُ اللهُ: "العلماءُ في الأرضِ مثلُ النجومِ في السماءِ إذا بدتْ للناسِ اهتدُوا بهَا، وإذا خفيتْ عليهِم تحيرُوا". [تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم]
اجعلوا أولادكم مجدًا للدين وعزًّا للوطن
يجب على الآباء أن يكتشفوا المواهب الكامنة في أولادهم، وأن يعملوا على بنائها وصقلها، وقد حفلت كتب "التراجم والسِّيَر" بالحديث عن النابغين في سن مبكرة من علماء المسلمين، فعن سيرة الإمام مالك بن أنس: قال الحافظ الذهبي: "طلب مالك العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، وحدّث عنه جماعة وهو شاب طري". [سير أعلام النبلاء].
وقال الإمام الشافعي: "حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين، وما أفتيت حتى حفظت عشرة آلاف حديث ..."، ومن سيرته أنه "أفتى وله خمس عشرة سنة". [المنتظم في تاريخ الأمم والملوك].
وقال الإمام الشافعي: "كنت يتيمًا في حِجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه". [سير أعلام النبلاء].
وسأل الإمام محمد بن أبي حاتم الورَّاق الإمام البخاريَّ: "كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال: ألهِمت حفظ الحديث وأنا في الكُتَّاب؛ قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال: عشر سنين أو أقل". [تاريخ بغداد].
ولم يكن النبوغ في الصغر مقتصرًا على علماء الشريعة فحسب، بل كان في الأطباء والفلاسفة، ومن هؤلاء: الشيخ الرئيس "ابن سينا": قال: "وأكملت العشر من العمر، وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى كان يُقضى مني العجب…، ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي، وأطالع الشروح حتى أحكمت "علم المنطق"، ثم رغبت في علم الطب، وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه، فلا جَرَمَ أني برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ فضلاء الطب يقرؤون عليَّ "علم الطب"، وتعهدت المرضى، فانفتح عليَّ من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر فيه، وأنا في هذا الوقت من أبناء "سِت عشرة سنة"، ثم توفرت على العلم والقراءة سنةً ونصفاً، فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة"،- بل علت همته للاطلاع على سائر العلوم- حيث قال: "وأتيت على سائر العلوم، ولي إذْ ذاك إحدى وعشرون سنة من عمري". [عيون الأنباء في طبقات الأطباء].
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا
كان سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم يسأل ربه دائمًا العلم النافع، فليس العلم مجرد معلومات نحفظها، بل هو نور يضيء القلوب، ويهدي إلى الحق، ويدفع إلى العمل الصالح، فالعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر وسحب بلا مطر، بل قد يكون حجة على صاحبه يوم القيامة.
فعَنْ سيدتنا أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: فِي دُبُرِ الْفَجْرِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا» [رواه ابن ماجه].
وعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا». [رواه الترمذي].
وقال سيدنا سفيان بن عُيَيْنَة: "ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة من العلم حتى توفاه الله". [تفسير القرآن العظيم].
والعلوم الدينية والدنيوية كلها علوم أمر الإسلام بتعلمها، فحفظ القرآن كعلم الطب كلاهما فرض كفائي، هذا لصحة الدين والثاني لصحة البدن، ويبقى التفاضل من جهة التعلق، فالقرآن متعلق بالله، والطب متعلق بالبدن، أما حكمهما فسواء، وقد يتفاضلان على حسب المكان والزمان والأحوال.
وقد أخبر القرآن الكريم عن نماذج كثيرة سخروا العلم لبناء الإنسان دينيًّا وحضاريًّا، فسيدنا سليمان عليه السلام لما استبطأ إحضار الجنِّي عرش "ملكة بلقيس"، نهض بذلك جندي من جنوده هو "آصف بن برخيا بن سمعيا"، وَكَانَ رجلًا صدّيقًا فِي بني إِسرائيل، يعلم اسم الله الأعظم؛ وسخر علمه لنفع البشرية، {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: ٤٠].
وأنشد الرشيد عن المهدي بيتين وقال أظنهما له:
يا نفس خوضي بحار العلم أو غوصي ... فالناس ما بين معموم ومخصوص
لا شيء في هذه الدنيا نحيط به ... إلا إحاطة منقوص بمنقوص
أدب الدنيا والدين
ومن تأمل ما قدمه علماء الإسلام في شتى العلوم والمعارف يدرك مجد أمة الإسلام، ومن أفضل ما كتب في هذا كتاب: "ألف اختراع واختراع" لسليم الحسني، وهو مطبوع زاخر بأمجاد علماء الإسلام في كل ميدان.
تجديد دوافع النجاح والعام الدراسي الجديد
إن العام الدراسي يجب أن يكون بداية حقيقية لبناء الإنسان المسلم الواعي، الذي يجمع بين العلم النافع، والخلق الرفيع، والعبادة الصادقة، والانضباط التربوي، وتجديد دوافع النجاح والابتكار والإبداع، وإليك بعضَ الإجراءات العملية في سبيل تحقيق ذلك.
أولا: الطلاب
- استحضار النية بأن التعليم عبادة ورسالة، وأنه ميراث الأنبياء.
- النوم المبكر والاستيقاظ في البكور، ففيه بركة للوقت والعقل.
- الاهتمام بالنظافة الشخصية والمظهر الحسن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» [رواه مسلم].
- لا تصحبْ إلا من يُعينُك على طريق التحصيل، ودعْ عنك مَن سواهم، فإن صحبتهم لا تفيدُ، وضع نُصب عينيك دائمًا قولَ الإمام ابن عطاء الله السكندريِّ رحمه الله تعالى: "لا تصحبْ مَن لا يُنهِضُك حالُه، ولا يدلُّك على الله مقالُه". [الحكم العطائية]
- ممارسة الرياضة للحفاظ على الصحة والنشاط الذهني والبدني.
- التغذية السليمة قبل الذَّهاب للمدرسة، والابتعاد عن الوجبات الضارة.
- استحضار أن طلب العلم عبادة، وأن الهدف منه خدمة الدين والوطن والبشرية، لا مجرد تحصيل شهادة.
- المحافظة على أذكار الصباح والمساء، لتكون حصنًا من الانحراف والشرور.
- التحذير من الغش في الدراسة والامتحانات، لأنه خيانة ومنافٍ للأمانة.
- احترام المعلمين وتقديرهم، فأعط أستاذك حقَّه من التبجيل والاحترامِ، في الأقوال والأفعال، وقد قالوا قديما: "ما فاز مَن فاز إلا بالأدب، وما سقط مَن سقط إلا بسوء الأدب".
- الانضباط في السلوك داخل المدرسة وخارجها (الهدوء – الطاعة – عدم الاعتداء على حقوق الآخرين).
- التعاون مع الزملاء ومساعدة الضعفاء منهم وعدم السخرية من أحد.
- الصدق في القول والعمل، والبعد عن الكذب والادعاء.
- المحافظة على الممتلكات العامة في المدرسة والشارع والحافلات.
- تنظيم الوقت بين الدراسة، اللعب، الراحة، العبادة، والأنشطة النافعة.
- التدرج في المهام: تقسيم الواجبات والمواد إلى أجزاء صغيرة يسهل إنجازها.
- الاهتمام بالنشاط المدرسي (الرياضي – الثقافي – الفني – الكشفي) كوسيلة لبناء الشخصية المتكاملة.
- التعاون مع الزملاء في المدرسة بروح الفريق الواحد، والبعد عن المنافسة السلبية.
ثانيا: أولياء الأمور
- اجعل بداية العام الدراسي فرصة للتشجيع والتحفيز بدلا من التوتر والضغط.
- تحدث مع ولدك عن أهدافه وطموحاته هذا العام، وامدحه على أي إنجاز صغير ليبدأ بثقة.
- وفر مكانًا هادئًا ومريحًا لأولادك للمذاكرة بعيدًا عن التلفاز والمشتتات.
- تابع دروسه باستمرار دون مبالغة أو ضغط زائد، وتواصل مع المعلمين لمعرفة مستواه وصعوباته مبكرًا.
- علمه قيم التعاون، واحترام المعلمين والزملاء، والمحافظة على ممتلكاته.
- راقب استخدام الأجهزة الإلكترونية وحدد أوقاتًا مخصوصة لها.
ثالثا: الأساتذة والمعلمون
- الحرص على الأمانة في أداء الدروس والشرح، وعدم التهاون أو التقصير في تبليغ العلم.
- العدل بين الطلاب، ومراعاة الفروق الفردية في التعليم.
- الصبر وسعة الصدر مع الطلاب وأولياء الأمور، فالتربية تحتاج نفَسًا طويلًا.
- الرحمة والتشجيع بدلًا من القسوة الزائدة أو العقاب المهين.
- القدوة الحسنة: الالتزام بالمظهر والكلمة والخلق، فالطالب يتعلم من سلوك أستاذه أكثر من كلامه.
- غرس القيم في الدروس (الصدق – الأمانة – احترام الوقت).
- التطوير المستمر والاطلاع على طرق التدريس الحديثة، وتوظيف التكنولوجيا بشكل رشيد.
- التخطيط للدرس بوضوح (أهداف – وسائل – أنشطة – تقويم).
- إشراك الطلاب في الحوار، وتنمية مهارات التفكير والإبداع، لا الاقتصار على التلقين فقط.
- المتابعة الفردية للطلاب الضعفاء وتشجيع المتفوقين.
- التواصل الإيجابي مع الأسرة، وإمدادها بالمعلومات الصحيحة عن مستوى الطالب، وإرشادها للتعامل التربوي السليم.
- المحافظة على الصحة الجسدية والنفسية للمعلم، بالنوم الكافي والغذاء السليم والراحة.
- تنمية مهارات ضبط الانفعال، حتى لا ينعكس الغضب على الطلاب.
- بث روح الأمل والإيجابية بين الطلاب، وعدم إشاعة جو الإحباط أو اليأس.
- غرس قيمة المسئولية في الطالب، وأن النجاح لا يأتي بالكسل، وأن الفشل مسئولية ذاتية.
- تنمية التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب من خلال المناقشة والبحث.
- إشراك الأسرة في المتابعة المستمرة للعملية التعليمية بعيدًا عن الضغط السلبي.
- الدعاء للطلاب بالصلاح والهداية والنجاح، وغرس محبة الدين والأخلاق والأوطان في قلوبهم.
فاللهم أحيي قلوبنا بالعلم، وأحيي جوارحنا وقلوبنا بالعمل، واحشرنا في زمرة العلماء بفضلك ومنِّك إنك جواد كريم.
اقرأ أيضا:
خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم 12 سبتمبر 2025م ـ 20 ربيع الأول 1447هـ
خطبة الجمعة القادمة 20 ربيع الأول 1447هـ ـ 12 سبتمبر 2025م للشيخ خالد القط
كيفية النداء لصلاتي الكسوف والخسوف.. دكتور شوقي علام يوضح
تعرف على كيفية صلاة خسوف القمر اليوم.. الإفتاء توضح
هل يجوز قضاء صلاة الكسوف أو الخسوف؟.. مفتي الجمهورية يوضح
مفتي الجمهورية: المولد النبوي بداية فجر جديد للبشرية
حكم جمع النقود بالمسجد بين خطبتي الجمعة الأولى والثانية.. الإفتاء ترد
دار الإفتاء ترد على من يحرمها: شراء وتوزيع حلاوة المولد حلال
صيام يوم المولد النبوي.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم
حكم الذكر والابتهالات الجماعية.. دكتور علي جمعة يوضح
دكتور شوقي علام: قراءة القرآن للأموات بالمقابر ليست بدعة
الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: التَّاتُّو حلال في حالتين فقط
مفتي الجمهورية: الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جائز شرعا
الرابط المختصر
آخبار تهمك
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الأحد 14 سبتمبر
14 سبتمبر 2025 05:00 ص
أسعار الذهب في مصر والعالم اليوم السبت 13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025 12:54 م
أسعار العملات في مصر اليوم السبت 13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025 12:18 م
سعر الجنيه الإسترليني أمام الجنيه المصري في تعاملات السبت 13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025 12:15 م
سعر الدرهم الإماراتي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025 12:11 م
سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه المصري السبت 13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025 12:08 م
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً