خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 5 ديسمبر 2025م ـ 14 جمادى الآخرة 1447 هـ
الثلاثاء، 02 ديسمبر 2025 02:48 م
السيد الطنطاوي
دكتور خالد بدير
حددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوعي خطبة الجمعة القادمة 5 ديسمبر 2025م الموافق 14 جمادى الآخرة 1447 هـ، حيث تتحدث الخطبة الأولى عن العقول المحمدية، وأما الثانية فتتحدث عن خطورة التشاؤم.
وأوضحت الوزارة أن الهدف من موضوع الخطبة الأولى هو التوعية بضرورة التفكير الإيجابي، وإعمال العقل والآثار الوخيمة للتَّفكير السَّلبي.
وأضافت أن الهدف من الخطبة الثانية، هو التحذير من التشكيك والحيرة ونشر روح التشاؤم في كل شيء.
وينشر “المصري الآن” نص خطبة الدكتور خالد بدير العالم بوزارة الأوقاف المصرية، عن “العقول المحمدية” والتحذير من التشكيك والحيرة ونشر التشاؤم.
عناصر خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 5 ديسمبر 2025م، بعنوان : العقول المحمدية:
أولًا: منزلةُ العقلِ في الإسلامِ.
ثانيًا: دورُ العقلِ في بناءِ الإ نسانِ.
ثالثًا: التحذيرُ من التشكيكِ والحيرةِ ونشرِ روحِ التشاؤمِ في كلِّ شيءٍ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير، 5 ديسمبر 2025م الموافق 14 جمادى الآخرة 1447هـ بعنوان: العقول المحمدية، كما يلي:
نص خطبة العقول المحمدية للدكتور خالد بدير
14 جمادى الآخرة 1447هـ ـ 5 ديسمبر 2025م
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: منزلةُ العقلِ في الإسلامِ.
للعقلِ منزلةٌ كبيرةٌ في الإسلامِ، فهو من أعظمِ الفروقِ بين الإنسانِ والحيوانِ، والعقلُ أحدُ الضروراتِ التي أوجبَ الشارعُ حفظَها، ويكفي الإشارةُ إلى أهميةِ “العقلِ” في كتابِ اللهِ أن مادةَ (عقلَ) تكررتْ بجميعِ مشتقاتِها حوالي سبعينَ مرةً، ناهيكَ عن الآياتِ التي تتصلُ بالعملياتِ العقليةِ كالتفكرِ والتأملِ والتدبرِ والنظرِ بتمعنٍ في آياتِ اللهِ في الأنفسِ والآفاقِ، والتي لا يمكنُ حصرُها من كثرتِها في كتابِ اللهِ تعالى.
ومعلومٌ أنَّ العقلَ مناطُ التكليفِ فإذا غابَ العقلُ رُفِعَ التكليفُ عن العبدِ، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يعقل “. (أبو داود والترمذي وحسنه).
والعقلُ والدينُ صِنوانِ لا ينفكَّان، فلا يتمُّ دينُ المرءِ حتّى يتمَّ عقلُهُ، والعقلُ بلا دينٍ ضلالٌ وانفلاتٌ وغواية، والتديُّن بلا عقلٍ بريدُ الفهمِ المنكوسِ والسُّلوكِ المَشينِ، وضيقِ العطَنِ، وكم في ذلكَ مِن إساءةٍ إلى النفسِ والناسِ، وتشويهٍ لصفاءِ الإسلامِ ونقائِهِ. وقد كان الحسنُ البصريُّ – رحمَهُ اللهّ – إذا أُخبِرَ عن صلاحِ رجُلٍ قالَ: “كيفَ عقلُهُ؟ فمَا تمَّ دينُ عبدٍ قطُّ حتى يتمَّ عقلُهُ”. ومِصداقُ ذلكَ مِن كلامِ اللهِ – تباركَ وتعالَى -: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. [يونس: 100]. وصدقَ مَن قالَ:
وأفضلُ قَسمِ اللهِ للمرءِ عقلُهُ …………. فليسَ مِن الخيراتِ شيءٌ يُقارِبُهُ
إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَهُ ………….. فقد كمُلَت أخلاقُهُ ومآرِبُهُ
وقد سُئِلَ ابنُ المُباركِ -رحمَهُ اللهُ-: ما أفضلُ ما أُعطِيَ الرجلُ؟ فقال: “غريزةُ عقلٍ”، قِيلَ: فإنْ لم يكنْ؟ قال: “أدبٌ حسنٌ”، قِيلَ: فإنْ لم يكُنْ؟ قال: “أخٌ صالحٌ يستشيرُه”، قِيلَ: فإنْ لم يكُنْ؟ قال: “صمتٌ طويلٌ”، قِيلَ: فإنْ لم يكُنْ؟ قال: “فموتٌ عاجلٌ”. وقال لُقمانُ لابنِه وهو يعِظُه: “يا بُنيَّ! اعلَمْ أنَّ غايةَ السُّؤدَدِ والشرفِ في الدنيا والآخرةِ حُسنُ العقلِ، وإنَّ العبدَ إذا حسُنَ عقلُهُ غطَّى ذلك عيوبَهُ وأصلحَ مساوئَهُ”. وسُئِلَ قتادةُ -رحمَهُ اللهُ-: أيُّ الناسِ أغبَطُ؟ قال: “أعقلُهُم”. وسُئِلَ: أيُّ الناسِ أعلَمُ؟ قال: “أعقلُهُم”. ولذلك قالوا: “عدوٌ عاقلٌ خيرٌ مِن صديقٍ جاهلٍ”.
ولأهميةِ العقلِ ومكانتِهِ أنَّ اللهَ سبحانَهُ تعالَى يردُّ للإنسانِ عقلَهُ في قبرِهِ مرةً أُخرى حتى يسألَ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: ذَكَرَ فَتَّانَ الْقُبُورِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ، كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ». (أحمد وابن حبان بسند حسن). يعني: ترجعُ إليكُم عقولُكُم وأرواحُكُم كهيئتِكُم اليوم، فتسألونَ، يعني: تسألونَ عن اللهِ سبحانَهُ وتعالَى، وعن رسولِهِ ﷺ، وعن دينِ الإسلامِ، فمَن كان على رسوخٍ وقوةٍ فإنَّهُ يجيبُ بلا تلكؤٍ، ومَن كانَ في ترددٍ وشكٍّ وريبٍ يظهرُ شكُّهُ في هذا الموضعِ، هل أنَا أصيبُ إنْ قلتُ هذا ربمَا يكونُ غيرَهُ، أو غيرَ ذلكَ فيقعُ في ترددٍ، بخلافِ الإنسانِ الراسخِ الذي على بينةٍ وثباتٍ في ذلكَ.
ثانيًا: دورُ العقلِ في بناءِ الإ نسانِ.
للعقلِ دورٌ كبيرٌ في بناءِ الإنسانِ، وذلكَ مِن خلالِ الوجوهِ التاليةِ:
الوجهُ الأولُ: البناءُ العقدِيُّ والإيمانِيُّ: وذلك مِن خلالِ التدبرِ والتفكرِ في الآياتِ الكونيةِ والإنسانيةِ كما جاءَ في القرآنِ والسنةِ. وقد كان إبراهيمُ عليهِ السلامُ لهُ السبقُ في استخدامِ منهجِ التأملِ والانتقالِ مِن حالٍ إلى حالٍ للوصولِ إلى الحقيقةِ، رافضًا منهجَ التقليدِ وإلغاءَ العقلِ، وسجلتِ الآياتُ الكريماتُ هذا المنهجَ الفريدَ في الاستدلالِ، قالَ تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.(الأنعام: 76 – 79).
الوجهُ الثانِي: البناءُ الفكرِيُّ والعلمِيُّ: لأنَّ غذاءَ العقلِ هو العلمُ والفكرُ والمعرفةُ، ولأهميةِ البناءِ العلمِي والفكرِي كان أولَ ما نزلَ على قلبِ الرسولِ ﷺ قولُهُ تعالَى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. (العلق: 1-5)، ولمَّا هاجرَ الرسولُ ﷺ إلى المدينةِ المنورةِ كان أولَ عملٍ قامَ بهِ بناءُ المسجدِ؛ لأنَّ المسجدَ مدرسةٌ روحيةٌ وعلميةٌ، لذلكَ كانت هناكَ علاقةٌ وطيدةٌ بينَ العلمِ والعقلِ، فالعلمُ هادٍ للعقلِ ومرشدٌ لهُ، وما أجملَ هذه المحاورةَ بينَ العلمِ العقلِ.
علمُ العليمِ وعقلُ العاقلِ اختصمَا …. مَن ذَا الذي منهمَا قد أحرزَ الشرفَا
فالعلمُ قالَ: أنا أدركتُ غايتَهُ ….. والعقلُ قالَ أنا الرحمنُ بِي عُرفَا
فأفصحَ العلمُ إفصاحاً وقالَ لهُ ….. بأيِّنَا اللهُ في قرآنِهِ اتصفَا؟
فبانَ للعقلِ أنَّ العلمَ سيدَهُ ….. فقبَّلَ العقلُ رأسَ العلمِ وانصرفَا
الوجهُ الثالثُ: البناءُ الاستنباطِيُّ والدلالِيُّ: فالعقلُ لهُ وظيفةٌ مهمّةٌ في استنباطِ الأحكامِ، والنظرِ إلى الأدلةِ ونقدِ متونِ الحديثِ، وكلّمَا كان العقلُ المسدَّدُ بنورِ الوحيِ أوفرَ وأكبرَ، كان المرءُ أقدرَ على الاجتهادِ والإصابةِ والاستنباطِ، يقولُ تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29).
ولهذا كان الدليلُ العقلِيُّ ملازمًا للدليلِ النقلِي في كثيرٍ مِن المسائلِ الشرعيةِ، وقد رويَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: ” كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ” . قَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ . قَالَ ” فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ” . قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . قَالَ ” فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ” . قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو . فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدْرَهُ وَقَالَ ”الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ ” . (أحمد وأبو داود والترمذي ).
الوجهُ الرابعُ: البناءُ المادِيُّ والتكنولوجِيُّ: وذلك باستخدامِ العقلِ في الابتكارِ والاكتشافِ، فالعالمُ المُعاصِر بعلومِه وفنونِه ومُكتشفاتِه ومُخترعاتِه، ما أصابَهُ مِن خيرٍ ومنافِعَ فمِن إعمالِ العقلِ، وما أصابَهُ مِن سُوءٍ ومفاسِدَ فمِن تعطيلِ العقلِ واتباعِ الهوَى، والبُعدِ عمَّا جاءَ بهِ المُرسَلونَ مِن الحقِّ والهُدى.
وهكذا ينبغِي على الإنسانِ أنْ يسعَى جاهدًا على بناءِ عقلِهِ وتغذيتِهِ مِن خلالِ هذه الوجوهِ كلِّهَا، لذلك نعَى القرآنُ الكريمُ على تعطيلِ العقلِ عن التفكيرِ المتزنِ السليمِ الذي يصلُ بصاحبِهِ إلى الحقِّ، وإنَّ الذينَ يهدرونَ عقولَهُم هُم شرُّ خلقِ اللهِ، حيثُ قالَ تعالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. (الأنفال: 22)، وقالَ تعالَى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. (يونس: 100).
وبسببِ تعطلِ العقلِ عندَ قومٍ وتفكيرهم السلبي الذي يؤدي إلى الضلال والهلاك كانُوا مِن أصحابِ السعيرِ، قالَ تعالَى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(الملك: 10 )، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ : ” أَيْ لَوْ كَانَتْ لَنَا عُقُولٌ نَنْتَفِعُ بِهَا أَوْ نَسْمَعُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ، لَمَا كُنَّا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالِاغْتِرَارِ بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فَهْمٌ نَعِي بِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَا كَانَ لَنَا عَقْلٌ يُرْشِدُنَا إِلَى اتِّبَاعِهِمْ”. (تفسير ابن كثير).
فهؤلاءِ أعطاهُم اللهُ أسماعاً، وأعطاهُم عقولاً، ولكنّهُم لم يستعملُوا أسماعَهُم ولا عقولَهُم في إدراكِ الحقِّ الذي أنزلَهُ اللهُ تعالَى، بل كان تفكيرهم سلبيا ، فكانُوا بمثابةِ الذين انعدمتْ أسماعُهُم وعقولُهُم ولم تغنِ عنهُم شيئًا.
إنَّ الإنسانَ إذا غذَّى عقلَهُ بالعلمِ والفكرِ والمعرفةِ والتدبرِ والتفكرِ والإبداعِ، فإنَّه ينفعُ نفسَهُ ووطنَهُ، ويكونُ أداةَ بناءٍ وتقدمٍ، ويفوزُ في دنياهُ وأخراهُ. أمَّا إذا عطلَ عقلَهُ أو أشبعَهُ بالأفكارِ المتطرفةِ، فإنَّهُ يضرُّ نفسَهُ ومجتمعَهُ، ويكونُ معولَ هدمٍ، ويخسرُ دنياهُ وأخراهُ. {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}. (العنكبوت: 43).
فعلينا أن نسخرَ عقولنَا في التفكرِ والتعقلِ في كتابِ اللهِ تعالى؛ فالتفكرُ من أجلِّ العباداتِ؛ كما يجبُ علينا أنْ نستخدمَ عقولَنا في مواجهةِ المشككين في ثوابتِ الدينِ من المسلمين وغيرِهم – فما أكثرُهم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ – وذلك بالحكمةِ والموعظةِ والحسنةِ؛ كما كان يفعلُ سلفُنا الصالحُ رضي الله عنهم.
ثالثًا: التحذيرُ من التشكيكِ والحيرةِ ونشرِ روحِ التشاؤمِ في كلِّ شيءٍ.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد انتشرت في الآونةِ الأخيرةِ ظاهرةُ التشكيكِ والحيرةِ والتشاؤمِ ولا سيما عند كثيرٍ من الشبابِ، لذلك أطلقت وزارةُ الأوقافِ علاجَ هذه الظاهرةِ من خلالِ الخطبةِ الثانيةِ تحت عنوانِ: ” التحذيرُ من التشكيكِ والحيرةِ ونشرِ روحِ التشاؤمِ في كلِّ شيءٍ”. فأقولُ وباللهِ التوفيقِ:
إن اليقين وعدم الشك والحير له منزلةٌ كبيرةٌ في الإسلامِ، بل هو شعبةٌ عظيمةٌ من شعبِ الإيمانِ، وصفةٌ من صفاتِ أهلِ التقوى والإحسانِ، واليقينُ هو العلمُ التامُّ الذي ليس فيه أدنى شكٍّ، الموجبُ للعملِ. واليقينُ به صلاحُ العبادِ والبلادِ، يقولُ الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه الله: ” لا يتم صلاحُ العبدِ في الدارينِ إلا باليقينِ والعافيةِ، فاليقينُ يدفعُ عنه عقوباتِ الآخرةِ، والعافيةُ تدفعُ عنه أمراضَ الدنيا من قلبِه وبدنِه “. (زادُ المعادِ). وقالَ أبو بكرٍ الورّاقُ – رحمه الله -: ” اليقينُ مِلاكُ القلبِ، وبه كمالُ الإيمانِ، وباليقينِ عُرِفَ اللهُ، وبالعقلِ عُقِلَ عن اللهِ”. (مدارجُ السالكينِ). لذلك أمرَنا الرسولُ ﷺ أن ندعوَ اللهَ باليقينِ والمعافاةِ فقالَ ﷺ: ” سَلُوا اللَّهَ الْمُعَافَاةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْمُعَافَاةِ”. (ابنُ ماجةَ بسندٍ صحيحٍ).
ولقد تحلَّى الأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وكذلك الصالحونَ بصفةِ اليقينِ في حياتِهم كلِّها:
فهذا موسى عليه السّلامُ حينما أدركَهُ فرعونُ وجنودُهُ والبحرُ أمامَهُ، قال أصحابُهُ: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}. [الشعراء: 61]، البحرُ أمامَنا والعدوُّ خلفَنا، ونحن ميتونَ لا محالةَ! فقال موسى بلسانِ اليقينِ: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]. فكأنّما ردَّ الطمأنينةَ إلى قلوبِ أتباعِه، فشقَّ اللهُ له البحرَ، وجعلَهُ نصرًا مبينًا.
وكذلك في الغارِ حينما أحاطَ المشركونَ برسولِ الله ﷺ وصاحبِه أبي بكرٍ رضي اللهُ عنهُ، خافَ الصّدّيقُ، فقال له النّبيُّ ﷺ بلسانِ اليقينِ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» [التوبة: 40]، فسكَنَ قلبُهُ، وكان ذلك مشهدًا خالدًا في تاريخِ اليقينِ.
فعليكم – أيها الشباب- بعدم سماعِ المتشككينَ والجلوس إليهم، فقد كثُر في زمانِنا الإلحادُ والتشكيكُ في وجودِ اللهِ عز وجل، وأصبحَ له دعاةٌ يروجون له، ومواقعُ على الإنترنتِ تدعو إليه، وأصبح هناك منتدياتٌ يجتمع فيها الملحدون؛ لكي يشيعوا باطلَهم، وينشروه فيما بينهم، وهنا لا بدَّ لكلِّ مؤمنٍ يريد الحفاظَ على سلامةِ قلبِه، وطمأنينةِ نفسِه أن يمتنعَ عن السماعِ لهم، والجلوسِ إليهم، أو الدخولِ على مواقعِهم؛ حتى لا تعلَقَ الشبهاتُ بقلبِه، وتتوطنَ الشكوكُ بعقلِه، ويظلَّ يسترسلُ في مجالستِهم، حتى تتراكمَ عليه هذه الشبهاتُ، وتتكاثرَ في قلبِه هذه الشكوكُ، ويفقدَ يقينَه، ويضيعَ منه إيمانُه، لذلك حذَّرنا اللهُ عز وجل من مجالسةِ أمثالِ هؤلاء، فقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].
فينبغي على كلِّ فردٍ أنْ يترك الشك والحيرة، وأن تكونَ حياتُهُ كلُّهَا مفعمةً بالأملِ والتفاؤل، ولا يتركُ مجالًا لليأسِ أو القنوطِ أو الكسلِ أو الخمولِ.
وإنّنَا لو نظرنَا إلى حياةِ الأنبياءِ عليهمُ السلامُ لوجدنَاهَا كلَّهَا مفعمةً بالأملِ والتفاؤل، فلم يكنْ لديهم مجالٌ لليأسِ أو القنوطِ، مع ما لاقوهُ مِن كفرٍ وعنادٍ ونفاقٍ وبلاءٍ، ولنضربْ أمثلةً مِن الأملِ في حياتِهِم عليهمُ السلامُ.
فنوحٌ عليهِ السلامُ دعَا قومَهُ ألفَ سنةٍ إلّا خمسينَ عامًا فلم يستجيبُوا، ومع ذلكَ لم ينتابهُ اليأسُ والقنوطُ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }.(العنكبوت:14).
وهذا نبيُّ اللهِ أيوبُ – عليهِ السلامُ – ابتلاهُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى في نفسِهِ ومالِهِ وولدِهِ، إلّا أنَّه لم يفقدْ أملَهُ في أنْ يرفعَ اللهُ الضرَّ عنه، وكان دائمَ الدعاءِ للهِ، يقولُ تعالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }؛ ( الأنبياء:83 )، فلم يُخَيِّبْ اللهُ أملَهُ، فحققَ رجاءَهُ، وشفاهُ اللهُ وعافاهُ، وعوَّضَهُ عمّا فقدَهُ.
وهذا يعقوبُ – عليهِ السلامُ – يغيبُ عنهُ أحبُّ الأبناءِ إليهِ أكثرَ مِن أربعينَ عامًا، ومع ذلك يخاطبُ أبناءَهُ بروحٍ متفائلةٍ خلّدَهَا القرآنُ فقالَ:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف: 87). ويعودُ إليهِ يوسفُ مرةً أُخرَى كما سجّلَ ذلكَ القرآنُ الكريمُ.
وهذا خاتمُ الأنبياءِ والمرسلين ﷺ يشتدُّ بهِ وبأصحابِه الإيذاءُ والاضطهادُ والتعذيبُ، وبمجردِ أنْ اشتكَى بعضُهُم مِن شدةِ التعذيبِ، يأتي الرسولُ ﷺ مرةً أخرى ليبعثَ فيهم الأملَ والتفاؤلَ مِن جديدٍ.
كما أرشدَنَا الحبيبُ ﷺ إلى الأملِ والتفاؤلِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ ؛ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ “. (أحمد بسند حسن ). فإذا أردتُم حياةً سعيدةً فعليكُم بالأملِ والتفاؤلِ، وما أجملَ مقولةَ الزعيمِ الراحلِ مصطفى كامل: لا يأسَ مع الحياةِ، ولا حياةَ مع اليأسِ.
فعليكُم بالأملِ والتفاؤلِ في جميعِ مجالاتِ حياتِكُم العمليةِ، وإياكُم والشك واليأسَ والقنوطَ؛ فقد ندَّدَ القرآنُ بالقنوطِ واعتبرَهُ قرينَ الضلالِ، فقالَ تعالَى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } [الحجر: 56].
نسألُ اللهَ أنْ يلهمَنَا رشدَنَا، وأنْ يحفظ َ عقولَنَا ومصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ..
اقرأ أيضا:
خطبة الجمعة القادمة لوزارة الاوقاف 5 ديسمبر 2025م ـ 14 جمادى الآخرة 1447 هـ
مفتي الجمهورية: تعاون المؤسسات الدينية ضرورة ملحة لإنتاج خطاب رشيد ومستجيب لتحديات الواقع
البريد المصري يصدر طابعا تذكاريا بمناسبة مرور ١٣٠ عامًا على تأسيس دار الإفتاء
مفتي الجمهورية: نواجه حربا فكرية ناعمة تسعى لتشكيل الوعي الإنساني والعبث بثوابته
د. محمد الضويني: التعليم الأزهري ركيزة أساسية للحفاظ على هوية وقيم المجتمع
موعد شهر رمضان 1447هـ ـ 2026م وأول أيامه فلكيا
موعد شهر رجب بالحسابات الفلكية 21 ديسمبر 2025م
دار الإفتاء توضح حكم التجارة في الآثار
أمين الفتوى: تحديات كبيرة لحماية المجتمع في الفضاء الرقمي
الإفتاء المصرية أقدم دار إفتاء منظمة في العالم الإسلامي
د. نظير عياد: وحدات دار الإفتاء تعزز قيم التعايش والتسامح وتنشر فقه الوسطية في العالم
علماء دار الإفتاء: الرشوة تقوض أسس العدالة والمساواة
كيفية التعامل مع جارالسوء والتدخل في خصوصيات البيوت بمجالس توعوية للإفتاء
الرابط المختصر
آخبار تهمك
سعر جرام الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025.. تراجع جديد لعيار 21
02 ديسمبر 2025 12:37 م
سعر جرام الذهب في السودان اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
02 ديسمبر 2025 12:34 م
سعر جرام الذهب في الإمارات اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
02 ديسمبر 2025 12:30 م
سعر جرام الذهب في العراق اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
02 ديسمبر 2025 12:27 م
سعر جرام الذهب في السعودية اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
02 ديسمبر 2025 12:24 م
سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
02 ديسمبر 2025 12:20 م
الأكثر قراءة
-
محمد رسلان يكتب: الاعتداء الجنسي على الطفولة جريمة تهدد كيان المجتمع
-
البروفيسور غانم الكشوانى يكتب: زايد استحق زايد
-
انطلاق صالون "دي من حور" الثقافي بمركز إبداع دمنهور لتعزيز الوعي
-
مفتي الجمهورية: نواجه حربا فكرية ناعمة تسعى لتشكيل الوعي الإنساني والعبث بثوابته
-
تعرف على أسعار الفراخ البيضاء والبلدي اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر
-
منتخب مصر يواجه الكويت في بداية مشواره بكأس العرب اليوم
-
أشعة جديدة لحسين الشحات قبل مواجهة الأهلي وإنبى بكأس عاصمة مصر
-
جدول مباريات العالم اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 والقنوات الناقلة لها
-
ملامح تشكيل منتخب مصر أمام الكويت في بطولة كأس العرب
-
تفاصيل جلسة وزير الرياضة وهاني أبو ريدة مع منتخب مصر الثاني
-
ترقب قاري لقرارات الكاف بفرض عقوبات على الجيش الملكي بسبب مباراة الأهلي
-
رئيس الهيئة الوطنية يعلن البطلان الجزئي لدائرتين في انتخابات مجلس النواب
-
فوز القائمة الوطنية من أجل مصر بقطاعى القاهرة ووسط الدلتا
-
الوطنية للانتخابات تعلن نتائج انتخابات البرلمان فى 19 دائرة
-
خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 5 ديسمبر 2025م ـ 14 جمادى الآخرة 1447 هـ
أكثر الكلمات انتشاراً