التطرف ليس في التدين فقط
خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 12 ديسمبر 2025م ـ 21 جمادى الآخرة 1447هـ
الثلاثاء، 09 ديسمبر 2025 11:39 ص
السيد الطنطاوي
مصلون "أرشيفية"
أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، عن موضوع خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م الموافق 21 جمادى الآخرة 1447 هـ، وتتحدث الخطبة عن “التطرف ليس في التدين فقط".
وأوضحت الوزارة، أن الهدف من موضوع الخطبة هو التوعية بخطورة التعصب بجميع أشكاله، لا سيما التعصب الرياضي، ومحذرة من أن التعصب الرياضي يؤدي بصاحبه إلى ارتكاب أفعال منهي عن ارتكابها شرعًا، كالسخرية، والتنابز بالألقاب، وإطلاق عبارات السبِّ والشتم والاحتقار.
وينشر “المصري الآن” نص خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير من علماء وزارة الأوقاف، بعنوان “التطرف ليس في التدين فقط"، 12 ديسمبر 2025م الموافق 21 جمادى الآخرة 1447هـ.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م، للدكتور خالد بدير، بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ : كما يلي:
أَوَّلًا: نَهْيُ الإِسْلَامِ عَنِ التَّطَرُّفِ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ.
ثَانِيًا: حَثُّ الإِسْلَامِ عَلَى مُمَارَسَةِ الرِّيَاضَةِ.
ثَالِثًا: نَهْيُ الإِسْلَامِ عَنِ التَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير، بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ، بتاريخ 21 جُمَادَى الآخِرَةِ 1447هـ ـ 12 دِيسَمْبَرَ 2025م كما يلي:
نص خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير، بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ : كما يلي:
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أيُّهَا الإخوةُ المؤمنونَ: تكلَّمنا مع حضراتِكم في لقاءاتٍ سابقةٍ عنِ التطرُّفِ الدينيِّ وأضرارِهِ وآثارِهِ على الفردِ والمجتمعِ، واليومَ نقفُ مع حضراتِكم مع صورةٍ هامَّةٍ مِن صُوَرِ التطرُّفِ والتعصُّبِ المعاصرِ، وهو التعرُّبُ الرياضيُّ أوِ الكرويُّ، فالتطرُّفُ ليسَ في التدَيُّنِ فقط، وهذا ما سنعرِفُهُ مِن خلالِ العناصرِ الثلاثةِ التاليةِ:
أَوَّلًا: نَهْيُ الإِسْلَامِ عَنِ التَّطَرُّفِ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ.
لقد نهَى الشارعُ الحكيمُ عن التطرف والتشددِ والغلوِّ بجميع صور التشدد والتطرف والغلو، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ “. ( البخاري ومسلم). يقولُ الحافظُ بنُ رجبٍ: ” معنى الحديث: النهيُ عن التشديدِ في الدينِ، بأنْ يحمِّلَ الإنسانُ نفسَهُ مِن العبادةِ ما لا يحتملهُ إلّا بكلفةٍ شديدةٍ، وهذا هو المرادُ بقولهِ ﷺ: ” لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلّا غلبَهُ ” يعني: أنَّ الدينَ لا يُؤخذُ بالمغالبةِ، فمَن شادَّ الدينَ غلبَهُ وقطعَهُ.”أ.
وقال الإمامُ ابنُ حجرٍ رحمَهُ اللهُ:” لا يتعمَّقُ أحدٌ في الأعمالِ الدِّينيةِ ويتركُ الرِّفقَ إلّا عجَزَ وانقطعَ”. (فتح الباري).
وروى ابنُ ماجةَ عن ابنِ عباسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: “يا أيُّها الناسُ، إيَّاكُم والغلوَّ في الدِّين؛ فإنّهُ أهلَكَ مَن كان قبلَكُم الغلوُّ في الدينِ”. (حديث صحيح).
فينبغِي على كلِّ مسلمٍ أنْ يعبدَ اللهَ على علمٍ وبصيرةٍ، وأنْ يحذرَ مكائدَ الشيطانِ الذي يُحيدُ عن الطريقِ المستقيمِ، ويُزيغُ عن الهديِ القاصدِ، الذي قالَ فيهِ النبيُّ ﷺ: “الْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا”. (البخاري).
إنَّ الشيطانَ يدخلُ لابنِ آدمَ مِن طريقَيِ الإفراطِ أو التفريطِ، كي يفسدَ عليهِ دينَهُ وحياتَهُ. يقولُ ابنُ القيّمِ -رحمَهُ اللهُ-: “ما أمرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بأمرٍ، إلَّا وللشيطانِ فيهِ نزغتانِ: إمَّا تقصيرٌ وتفريطٌ، وإمَّا إفراطٌ وغلوٌّ، فلا يُبالِي بمَا ظفِرَ مِن العبدِ مِن الخطيئتينِ”. (الوابل الصيب من الكلم الطيب). وقال الأوزاعيُّ -رحمَهُ اللهُ-: “مَا مِن أَمْرٍ أَمَرَ اللهُ بهِ، إلّا عارضَ الشيطانُ فيهِ بخصلتينِ، ولا يُبالِى أيُّهمَا أصابَ: الغلوُّ، أو التقصيرُ”.
والتطرُّفُ والتعصُّبُ ليسَ مقصورًا على أبوابِ العبادةِ والتديُّنِ فقط، بل قد يكونُ في العاداتِ والأعرافِ والفكرِ والرِّياضةِ والإعلامِ، وكلُّها صُوَرٌ لميلِ الإنسانِ عنِ الحقِّ والوَسَطِ الذي شرعَهُ اللهُ تعالى لعبادِهِ.
فمَن تعصَّبَ لرأيِهِ ورفضَ الحوارَ، فقد تطرَّفَ في الفكرِ. ومَن جعلَ هواهُ قاضيًا في كلِّ نزاعٍ فقد تطرَّفَ في السلوكِ. ومَن تحزَّبَ لقبيلتِهِ أو لجهتِهِ وتعالَى على الناسِ فقد تطرَّفَ في النَّسَبِ والانتماءِ. ومَن عادَى الناسَ لخلافِ رأيٍ أو لونٍ أو موقفٍ فقد تطرَّفَ في الإنسانيَّةِ نفسِها.
لذلك نهانا الإسلامُ عنِ التطرُّفِ والتعصُّبِ بكلِّ صُوَرِهِ وأشكالِهِ وألوانِهِ، وحثَّنا على الوسطيةِ والاعتدالِ، لأنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ دينُ الوسطيةِ والاعتدالِ، كما أنَّ هذهِ الأمَّةَ المحمديَّةَ أمَّةُ الوسطيةِ والاعتدالِ، قالَ تعالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
وهنا إعجازٌ عدديٌّ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ، فعددُ آياتِ سورةِ البقرةِ 286 ÷ 2 = 143، وهذا هو رقمُ هذهِ الآيةِ، فكأنَّ الآيةَ نفسُها جاءتْ وسطًا، وكفَى بها رسالةً للأمَّةِ لتكونَ وسطًا في كلِّ شيءٍ.
والوسطيةُ هنَا تعنِي الأفضليةَ والخيريةَ والرفعةَ، فالأمةُ وسطٌ في كلِّ شيءٍ، وسطيةٌ شاملةٌ .. فهي وسطٌ في الاعتقادِ والتصورِ، وسطٌ في العلاقاتِ والارتباطاتِ، وسطٌ في أنظمتِهَا ونظمِهَا وتشريعاتِهَا، وحريٌّ بالمسلمينَ أنْ يعودُوا إلى وسطيتِهِم التي شرفَهُم اللهُ بهَا مِن أولِ يومٍ، وهذه الوسطيةُ أهَّلَتْ هذه الأمةَ ومنحتهَا الشهادةَ على جميعِ الأممِ.
و”الوسطيةُ” هي الركيزةُ الكبرَى لهذه الأمةِ حتى صارت “الوسطيةُ” مضربَ الأمثالِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: «سألَ رجلٌ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ فقال: إِنَّكَ تُخْرِجُ أَمْثَالَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنَ الْقُرْآنِ فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ” خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا”؟ قَالَ: نَعَمْ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}، وقولُهُ تعالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}» أ.ه. (الإتقان في علوم القرآن للسيوطي).
فالوسطيةُ مِن أعظمِ مقاصدِ هذه الشريعةِ الغراء، قال الإمامُ الشاطبيُّ: ” إنَّ الشريعةَ جاريةٌ في التكليفِ لمقتضاهَا على الطريقِ الوسطِ العدلِ، الآخذِ مِن الطرفينِ بقسطٍ لا ميلَ فيهِ، فإذا نظرتَ إلى كُليِّةٍ شرعيةٍ، فتأمَّلهَا تجدهَا حاملةً على التوسطِ والاعتدالِ، ورأيتَ التوسطَ فيهَا لائحًا، ومسلكَ الاعتدالِ واضحاً، وهو الأصلُ الذي يُرجَعُ إليهِ، والمعقِلُ الذي يُلجأُ إليهِ” أ.ه. (الموافقات).
ويقولُ الإمامُ ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: ” دينُ اللهِ وسطٌ بينَ الغالِي فيهِ والجافِي عنهُ، وخيرُ الناسِ النمطُ الأوسطُ الذينَ ارتفعُوا عن تقصيرِ المفرطين، ولم يلحقُوا بغلُوِّ المعتدين”. (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان).
ويقول الإمام المجد ابن الأثير: “كل خصلة محمودة، فإن لها طرفين مذمومين، مثل أن السخاء وسط بين البخل والتبذير، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والإنسان مأمور أن يتجنب كل وصف مذموم”. [جامع الأصول]
وهكذا كانت الوسطيةُ والاعتدالُ الركيزةَ العظمَى لهذا الدينِ الحنيفِ، وكمَا قِيلَ: «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا».
ثَانِيًا: حَثُّ الإِسْلَامِ عَلَى مُمَارَسَةِ الرِّيَاضَةِ.
إنَّ ممارسةَ الرياضةِ من الأمورِ المباحةِ شرعًا إذا كانتْ في ظلِّ الضوابطِ المسموحِ بها، ولم تخرجْ عن المقصدِ الذي أُنشِئتْ من أجلِهِ، مثلَها في ذلك مثلَ “الرمي” الذي شجَّع عليهِ النبيُّ ﷺ؛ فعنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ رضي اللهُ عنه، قالَ: مرَّ النبيُّ ﷺ على نفرٍ من أسلمَ ينتضلونَ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «ارمُوا بني إسماعيلَ، فإنَّ أباكم كانَ راميًا، ارمُوا، وأنا معَ بني فلانٍ» قالَ: فأمسكَ أحدُ الفريقينَ بأيديهمْ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «ما لكم لا ترمونَ»، فقالوا: يا رسولَ اللهِ نرمي وأنتَ معهمْ؟ قالَ: «ارمُوا وأنا معكمْ كلِّكمْ» [البخاري].
“قالَ المهلبُ: فيهِ من الفقهِ: أنَّ للسلطانِ أنْ يأمرَ رجالَهُ بتعليمِ الرمي وسائرِ وجوهِ الحرابةِ ويحضَّ عليها. وفيهِ: أنَّهُ يجبُ أنْ يطلبَ الرجلُ خلالَ أبيهِ المحمودةَ ويتبعَها ويعملَ مثلَها؛ لقولِهِ: (ارمُوا فإنَّ أباكم كانَ راميًا). وفيهِ: أنَّ السلطانَ يجبُ أنْ يعلَمَ بنفسهِ أمورَ القتالِ كما فعلَ عليهِ السلامُ”. (شرحُ البخاريِّ لابنِ بطالٍ).
ولأهميةِ الرياضةِ قد سابقَ النبيُّ ﷺ بينَ الصحابةِ بالأرجلِ وبالخيولِ والجمالِ وبالرمي، وحثَّ على كلِّ ما فيهِ إعانةٌ على الجهادِ، أخرجَ البخاريُّ في صحيحِهِ عنْ أنسٍ رضي اللهُ عنه، قالَ: كانَ للنبيِّ ﷺ ناقةٌ تُسمَّى العَضْباءَ، لا تُسبقُ – قالَ حميدٌ: أوْ لا تكادُ تُسبقُ – فجاءَ أعرابيٌّ على قعودٍ فسبقَها، فشقَّ ذلكَ على المسلمينَ حتى عرفَهُ، فقالَ: «حقٌّ على اللهِ أنْ لا يرتفعَ شيءٌ منَ الدنيا إلَّا وضعَهُ».
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «أَجْرَى النَّبِيُّ ﷺ مَا ضُمِّرَ مِنَ الخَيْلِ مِنَ الحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ»، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى (البخاري). قال ابن حجر في فتح الباري: “وَفِي اَلْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّة اَلْمُسَابَقَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلْعَبَثِ بَلْ مِنْ اَلرِّيَاضَةِ اَلْمَحْمُودَةِ اَلْمُوصِلَةِ إِلَى تَحْصِيل اَلْمَقَاصِد فِي اَلْغَزْوِ وَالانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ اَلْحَاجَةِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ اَلاسْتِحْبَابِ وَالإِبَاحَةِ بِحَسَبِ اَلْبَاعِث عَلَى ذَلِكَ”.
كما كان ﷺ يقضِي بعضَ أوقاتِهِ في ممارسة الرياضة وسباق زوجاته، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ وَهِيَ جَارِيَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: ” تَقَدَّمُوا ” فَتَقَدَّمُوا , ثُمَّ قَالَ: ” تَعَالِ أُسَابِقْكِ ” , فَسَابَقْتُهُ, فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلِيَّ “، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ, خَرَجْتُ أَيْضًا مَعَهُ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: ” تَقَدَّمُوا “, ثُمَّ قَالَ: “تَعَالِ أُسَابِقْكِ”، وَنَسِيتُ الَّذِي كَانَ, وَقَدْ حَمَلْتُ اللَّحْمَ “، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ أُسَابِقُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ: ” لَتَفْعَلِنَّ ” فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي”، فَقَالَ: ” هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ “. (أبو داوود والنسائي بسند صحيح).
إنَّ لممارسةِ الرياضةِ فوائدَ متنوعةً كثيرةً وعديدةً، فالرياضةُ تُسهمُ في تنميةِ العقولِ، وصقلِ مهاراتِ التفكيرِ، كما تحفظُ للأبدانِ قوَّتَها وسلامتَها، وهي كذلكَ بابٌ من أبوابِ الترويحِ المشروعِ، تُذهبُ عن النفوسِ ما يعتريها من مللٍ وكسلٍ، وتعيدُ إليها نشاطَها وهمَّتَها، وهذا كلُّه مما ندبَ إليهِ الشارعُ الحكيمُ، إذ وجَّهَ إلى كلِّ ما يقوِّي الجسدَ، ويشرحُ الصدرَ، ويعينُ على أداءِ الواجباتِ الدينيةِ والدنيويةِ على أكملِ وجهٍ؛ كما تجعلُ الرياضةُ المسلمَ قويًا قادرًا على أداءِ العباداتِ والواجباتِ، كما ترفعُ المناعةَ وتقي من الأمراضِ وتخلِّصُ الجسمَ من السمومِ، كذلكَ تعلِّمُ الصبرَ والتحملَ، وروحَ المنافسةِ الشريفةِ.
ثَالِثًا: نَهْيُ الإِسْلَامِ عَنِ التَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ.
إنَّ من يتأمَّلْ الواقعَ يُدرِكْ أنَّ أنماطَ التطرّفِ تتشابهْ في جذورِها، مهما اختلفَتْ مظاهرُها؛ فالتعصّبُ لفريقٍ رياضيٍّ قد يحمِلُ السماتِ نفسَها التي يظهرُ بها التشنّجُ لمذهبٍ أو حزبٍ أو رأيٍ أو جماعةٍ، وما ذاكَ إلَّا لأنَّ المشكلةَ ليستْ في الميادينِ ذاتِها، بل في الذهنيّةِ المتشدّدةِ التي تُحوِّلُ الاختلافَ إلى تهديدٍ، والرأيَ المخالفَ إلى خصمٍ يجبُ إسقاطُهُ.
والتعصّبُ الرياضيُّ – وإنْ شِئْتَ فقلْ: (التعصّبُ الكرويُّ) – من الظواهرِ الاجتماعيةِ المنتشرةِ على الساحةِ، فهذا يتعصّبُ لفريقٍ، وذاكَ يتعصّبُ لفريقٍ آخرَ، ناهيكَ عمَّا تحملُهُ هذه العصبيةُ من عداواتٍ وأحقادٍ وبغضاءَ وصراعٍ وشقاقٍ. لذلك نهى الشارعُ الحكيمُ عن العصبيةِ بكلِّ صورِها وأشكالِها.
فعنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ؛ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ؛ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ». (أبوداود).
وعنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ ﷺ قالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا؛ إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ؛ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأَنْفِهِ؛ إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ؛ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ؛ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ». (أحمدُ وأبوداودَ والترمذيُّ وحسَّنَهُ).
بل قد وضعَ النبيُّ ﷺ العنصريةَ والعصبيةَ تحتَ قدمَيْهِ في خطبةِ الوداعِ؛ فعنْ أبي نضرةَ، حدَّثني مَنْ سمعَ خطبةَ رسولِ اللهِ ﷺ في وسطِ أيّامِ التشريقِ فقالَ: «أَلَا وإنَّ كلَّ شيءٍ مِنْ أمرِ الجاهليةِ موضوعٌ تحتَ قدمَيَّ هاتَيْنِ، يا أيها الناسُ، أَلَا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، أَلَا لافضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ، إلَّا بالتقوى، أَبَلَّغْتُ؟» قالوا: بَلَّغَ رسولُ اللهِ». (أحمدُ والطبرانيُّ والبيهقيُّ، وقال الهيثميُّ: رجالهُ رجالُ الصحيحِ).
وأخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ – رضي اللهُ عنهما – قالَ: كنَّا في غزاةٍ فكسعَ رجلٌ منَ المهاجرينَ رجلًا منَ الأنصارِ، فقالَ الأنصاريُّ: يا لَلْأنصارِ!! وقال المهاجريُّ: يا لَلْمهاجرين!! فسمعَ ذلكَ رسولُ اللهِ ﷺ فقالَ: «ما بالُ دعوى الجاهليةِ؟» قالوا: يا رسولَ اللهِ كسعَ رجلٌ منَ المهاجرينَ رجلًا منَ الأنصارِ. فقالَ: «دَعُوها فإنَّها مُنْتِنَةٌ”. والكسعُ: ضربُ الدُّبُرِ باليدِ أو بالرجلِ.
قالَ النوويُّ – رحمه اللهُ – في شرحِ مسلمٍ: «وأمَّا تسميتُهُ ﷺ ذلكَ دعوى الجاهليةِ فهُوَ كراهةٌ منهُ لذلكَ؛ فإنَّهُ ممَّا كانتْ عليهِ الجاهليةُ منَ التعاضدِ بالقبائلِ في أمورِ الدنيا ومتعلقاتِها، وكانتِ الجاهليةُ تأخذُ حقوقَها بالعصباتِ والقبائلِ، فجاءَ الإسلامُ بإبطالِ ذلكَ، وفصلَ القضايا بالأحكامِ الشرعيةِ. فإذا اعتدى إنسانٌ على آخرَ حكمَ القاضي بينهما، وألزمهُ مقتضى عدوانهِ كما تقررَ من قواعدِ الإسلامِ”.
فانظرْ كيفَ عبَّرَ رسولُ اللهِ ﷺ بلفظِ «منتنةٍ»؟!! أي: أنها تُفسِدُ المجتمعَ كلَّهُ بنتنِها.
فالعنصريةُ والعصبيةُ والقبليةُ لها آثارٌ وأضرارٌ جسيمةٌ وعواقبُ وخيمةٌ على الفردِ والمجتمعِ؛ فالشخصُ الذي يتعصَّبْ لقبيلةٍ أو حزبٍ أو جماعةٍ أو فئةٍ أو عائلةٍ أو … إلخ، لا شكَّ أنَّهُ يُطلِقْ ولاءَهُ ونصرتَهُ وهمَّتَهُ وحياتَهُ لِمَنْ يتعصَّبْ لهُ؛ ثم يُطلِقْ – عكسَ ذلكَ – عداءَهُ وبغضَهُ وكرهَهُ للطرفِ الآخرِ؛ ولا شكَّ أنَّ ذلكَ يُولِّدْ العنفَ والاقتتالَ والفوضى؛ فالعنفُ لا يُولِّدْ إلَّا العنفَ؛ فإذا كانَ الفردُ يتعاملْ – مع مَنْ يُخالِفْ فكرَهُ أو اعتقادَهُ أو حزبَهُ أو قبيلتَهُ – بعنفٍ؛ فإنَّ الطرفَ الآخرَ يردُّ عليهِ بعنفٍ أقوى منهُ؛ يقولُ إسحاقُ نيوتنْ: «كلُّ فعلٍ لهُ ردُّ فعلٍ يُساويهِ في القوةِ ويُعارضُهُ في الاتجاهِ”.
فلذلكَ كلُّ إنسانٍ تُحاوِرُهُ: يومَ ترفعْ صوتَكَ يرفعْ صوتَهُ، ويومَ تُكرِمْهُ يُكرِمْكَ، ويومَ تُكنِّيهِ يُكنِّيكَ؛ فكذلكَ كلُّ إنسانٍ تتعاملْ معهُ بالعنفِ والقوةِ والقهرِ يُبادِلْكَ الطرفُ الآخرُ نفسَ الشعورِ.
يقولُ أحدُهم وهو يُحاوِرْ خصمَهُ:
أكنيه حين أناديه لأكرمه…..كذلك أدبت حتى صار من أدبي
ولا ألقبه السوءة اللقب …..أني وجدت ملاك الشيمة الأدب
ولا يخفى علينا ما يحدثُ في واقعِنا المعاصرِ من الاعتداءِ وإزهاقِ الأرواحِ وتخريبِ الديارِ بسببِ العصبيةِ والقبليةِ والثأرِ بينَ العائلاتِ والقبائلِ؛ وهؤلاءِ ينتصرونَ لعصبيتِهم وقبيلتِهم لا لنصرةِ الدينِ أو الدولةِ؛ وهذهِ هي الجاهليةُ العمياءُ كما جاءَ في الحديثِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ خرجَ مِنَ الطاعةِ، وفارقَ الجماعةَ، ثم ماتَ ماتَ ميتةً جاهليةً، ومَنْ قُتِلَ تحتَ رايةٍ عِمِّيَّةٍ، يغضبْ للعصبةِ، ويقاتلْ للعصبةِ، فليسَ مِنْ أمتِي، ومَنْ خرجَ مِنْ أمتِي على أمتِي، يضربْ برَّها وفاجرَها، لا يتحاشَ من مؤمنِها، ولا يفي بذِي عهدِها، فليسَ مِنِّي». (مسلم).
وقالَ النوويُّ: معناهُ يقاتلُ بغيرِ بصيرةٍ وعلمٍ تعصبًا كقتالِ الجاهليةِ، ولا يعرفُ المحقَّ مِنَ المبطلِ، وإنما يغضبُ لعصبيةٍ لا لنصرةِ الدينِ، والعصبيةُ إعانةُ قومِهِ على الظلمِ. (شرحُ النووي).
إنَّ التعصبَ الكرويَّ مذمومٌ شرعًا وعرفًا؛ لأنَّهُ يؤدي إلى إثارةِ الفُرقةِ والبغضاءِ بينَ الناسِ، ويحيدُ بالرياضةِ عن مقصدِها السامي مِنَ المنافسةِ الشريفةِ، والتقاربِ، وإسعادِ الخلقِ؛ فالتعصبُ خلقٌ شيطانيٌّ بغيضٌ حذَّرنا منهُ النبيُّ ﷺ؛ فعَنْ جابرٍ رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: «إنَّ الشيطانَ قدْ أيسَ أنْ يعبدَهُ المصلونَ في جزيرةِ العربِ، ولكنْ في التحريشِ بينهم». (مسلم).
فالتعصبُ داءٌ يمزِّقُ الأممَ، ويعطِّلُ الطاقاتِ، ويشيعُ الكراهيةَ والعداوةَ، سواءٌ كانَ في الدينِ أو السياسةِ أو الرياضةِ أو غيرِها. وعلاجُهُ بالعلمِ، وبالحوارِ، وبالتواضعِ، وبالقدوةِ، وبالتحلِّي بالأخلاقِ الفاضلةِ، وبنشرِ روحِ الاعتدالِ التي جاءَ بها الإسلامُ.
نسألُ اللهَ أنْ يلهمَنَا رشدَنَا، وأنْ يحسن أخلاقنا ، وأن يحفظ َ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوء.
اقرأ أيضا:
خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 12 ديسمبر 2025م ـ 21 جمادى الآخرة 1447هـ
خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 5 ديسمبر 2025م ـ 14 جمادى الآخرة 1447 هـ
خطبة الجمعة القادمة لوزارة الاوقاف 5 ديسمبر 2025م ـ 14 جمادى الآخرة 1447 هـ
موعد شهر رمضان 1447هـ ـ 2026م وأول أيامه فلكيا
موعد شهر رجب بالحسابات الفلكية 21 ديسمبر 2025م
مفتي الجمهورية: تعاون المؤسسات الدينية ضرورة ملحة لإنتاج خطاب رشيد ومستجيب لتحديات الواقع
البريد المصري يصدر طابعا تذكاريا بمناسبة مرور ١٣٠ عامًا على تأسيس دار الإفتاء
مفتي الجمهورية: نواجه حربا فكرية ناعمة تسعى لتشكيل الوعي الإنساني والعبث بثوابته
د. محمد الضويني: التعليم الأزهري ركيزة أساسية للحفاظ على هوية وقيم المجتمع
دار الإفتاء توضح حكم التجارة في الآثار
أمين الفتوى: تحديات كبيرة لحماية المجتمع في الفضاء الرقمي
الإفتاء المصرية أقدم دار إفتاء منظمة في العالم الإسلامي
د. نظير عياد: وحدات دار الإفتاء تعزز قيم التعايش والتسامح وتنشر فقه الوسطية في العالم
علماء دار الإفتاء: الرشوة تقوض أسس العدالة والمساواة
كيفية التعامل مع جارالسوء والتدخل في خصوصيات البيوت بمجالس توعوية للإفتاء
الرابط المختصر
آخبار تهمك
ظهور «الكينج كوبرا» كحارس لأكبر مدينة العاب ترفيهية بالغردقة
08 ديسمبر 2025 02:12 م
سعر الدولار الأمريكي اليوم في مصر الإثنين 8 ديسمبر 2025
08 ديسمبر 2025 11:02 ص
سعر الدرهم الإماراتي اليوم في مصر الإثنين 8 ديسمبر 2025
08 ديسمبر 2025 10:57 ص
سعر الريال السعودي اليوم في مصر الإثنين 8 ديسمبر 2025
08 ديسمبر 2025 10:50 ص
سعر الجنيه الإسترليني اليوم في مصر الإثنين 8 ديسمبر 2025
08 ديسمبر 2025 10:45 ص
سعر اليورو اليوم في مصر الاثنين 8 ديسمبر 2025
08 ديسمبر 2025 10:36 ص
الأكثر قراءة
-
مفتي الجمهورية يهنئ وزير الشباب لاختياره رئيسًا للجنة التربية البدنية والرياضة باليونسكو
-
جدول مباريات اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر والقنوات الناقلة لها
-
أبرز أحداث عالم الرياضات القتالية 2025 ومفاجأة العالمي كريستيانو رونالدو
-
شوبير يعلق على موعد الجمعية العمومية لنادي الزمالك
-
وزير الشباب يشهد توقيع عقد رعاية أبطال مصر استعدادًا لأولمبياد لوس أنجلوس 2028
-
تعرف على القنوات الناقلة لمباراة مصر والأردن في ختام دور المجموعات لبطولة كأس العرب 2025
-
جدول مباريات اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر والقنوات الناقلة لها
-
أبرز أحداث عالم الرياضات القتالية 2025 ومفاجأة العالمي كريستيانو رونالدو
-
موعد والقنوات الناقلة لمباراة ليفربول وإنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا
-
موعد والقنوات الناقلة لمباراة برشلونة وآينتراخت فرانكفورت بدوري أبطال أوروبا
-
وزير الصناعة: مشروع "ليونى" يعزز مكانة مصر كمركز إقليمي لصناعة مكونات السيارات
-
مدبولي يفتتح مصنع ليوني مصر لصناعة ضفائر السيارات بمدينة بدر
-
وزارة العمل تعلن عن توفير 1900 فرصة عمل بمحافظة الجيزة
-
تعرف على حالة الطقس المتوقعة غدا الأربعاء 10 ديسمبر
-
القصة الكاملة للحجز على حسابات حسن شاكوش لسداد نفقة طليقته
أكثر الكلمات انتشاراً