الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

02:00 م

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير 19 سبتمبر 2025م ـ 27 ربيع الأول 1447هـ

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025 10:23 ص

السيد الطنطاوي

خطبة الجمعة "أرشيفية"

خطبة الجمعة "أرشيفية"

أعلنت وزارة الأوقاف عن اصدار الدليل الإرشادي “زاد الأئمة والخطباء” لـ خطبة الجمعة القادمة بعنوان “الرسول المعلم صلّى الله عليه وسلّم، بتاريخ 27 ربيع الأول 1447هـ ، الموافق 19 سبتمبر 2025م.

وأوضحت الوزارة أن الهدف المراد توصيله من الخطبة، بيان سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم في التعليم، والتي ندرك منها أهمية طلب العلم والسبل الصحيحة لتحصيله، وأنه لابد من العلم والتعليم، وتجديد دوافع النجاح مع بداية العام الدراسي الجديد.

وينشر “المصري الآن” نص خطبة الجمعة 19 سبتمبر 2025م، للدكتور خالد بدير بعنوان “الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم”.

عناصر خطبة  

أولًا: الرسول المُعَلِّمُ ﷺ لخير أمة.

ثانيًا: الأساليبُ التعليميةُ في المدرسةِ النبويةِ

ثالثًا: وسائلُ وسُبلُ تحصيلِ العلمِ.

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 سبتمبر 2025م للدكتور خالد بدير، بعنوان: الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم كما يلي:

المـــوضــــــــــوعُ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:

أولًا: الرسول المُعَلِّمُ ﷺ لخير أمة

لا ريبَ أنّ مهمةَ النبيِّ ﷺ إنما هي تعليمُ أمتهِ ودلالَتُهُم على الخير. قال تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [الجمعة:2]. ونحن نعلمُ جميعًا أنّ نبيَّنَا ﷺ بُعِثَ في مجتمعٍ كان يعجُّ بالفساد ؛ فطهّرَ اللهُ به البلادَ والعبادَ ؛ وملأَ العالمَ كلَّهُ صلاحًا. يصورُ ذلك جعفرُ بن أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه في كلمتِهِ أمامَ النجاشيِّ قائلًا: ” أَيّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ؛ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ؛ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ؛ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ؛ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ؛ وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنّا الضّعِيفَ؛ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ؛ فَدَعَانَا إلَى اللّهِ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ؛ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ؛ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ؛ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصّلَاةِ وَالزّكَاةِ وَالصّيَامِ؛ فَعَدّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ “.(سيرة بن هشام).

ويقولُ الكاتبُ والمؤرخُ الإنجليزيُّ توماس كارليل عن العرب: “هم قومٌ يضرِبون في الصحراء، لا يُؤبَه لهم عدة قرونٍ، فلما جاءهُم النبيُّ العربيُّ، أصبحوا قِبْلَةَ الأنظارِ في العلوم والعرفانِ، وكثروا بعدَ قلةٍ، وعَزُّوا بعد الذِّلةِ، ولم يمضِ قرنٌ حتى استضاءتْ أطرافُ الأرضِ بعقولهِم وعلومهِم” .أ.ه فالرسولُ ﷺ بُعِثَ معلمًا للبشريةِ كلِّهَا، وهو القائلُ: “إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا” . ( مسلم ).  لذلك كان أفضلَ معلمٍ؛ حيثُ ترى الدراساتُ التربويةُ أنّ أفضلَ طُرقِ قياسِ مستوى المعلمِ تقييمُ طلابهِ، ولو اعتمدنَا هذه الدراساتِ لتوصلنَا إلى أنّه ﷺ أعظمَ مربٍ ومعلمٍ، فعن طلابِه وتلاميذِه قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

ثانيًا: الأساليبُ التعليميةُ في المدرسةِ النبويةِ

لقد تنوعتْ الأساليبُ التعليميةُ والتربويةُ والدعويةُ في مدرسة الحبيبِ محمدٍ ﷺ, وذلك حسبِ مقتضى الحالِ والأشخاصِ والزمانِ والمكانِ, ومن هذه الأساليبِ:

الأسلوبُ العاطفيُّ : فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : ” إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ . مَهْ . فَقَالَ: ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا . قَالَ : فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ: لَا. وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ: لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ: لَا . وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ” .( أحمد والطبراني والبيهقي).

 فقد احتوى هذا الموقفُ على الأسلوبِ العاطفيِّ في الدعوةِ والتربيةِ، وظهر ذلك في: ( اُدْنُهْ )، ( فدنَا منه قريبًا ) . بالإضافةِ إلى الإقناعِ بالأسلوبِ العقليِّ بقولِه: ( أتحبُّه لأمِكَ؟ )، ( أفتحبُّه لابنتِكَ؟ ) .

فعلينا أن نتأسَّى بهديهِ ﷺ معلمًا ومربيًا لا سيما في التعاملِ مع المخطئِ ونفتحُ له بابَ التوبةِ والرجاءِ.

ومنها: أسلوبُ الرفقِ واللينِ: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ أعرَابِّيٌ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ” دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ “. (البخاري). قال النوويٌّ: ” فيه الرّفقُ بالجاهلِ، وتعليمُهُ ما يلزمُهُ من غيرِ تعنيفٍ ولا إيذاءٍ، إذا لم يأتِ بالمخالفةِ استخفافًا أو عنادًا، وفيه دفعُ أعظمِ الضررين باحتمالِ أخفهمَا”.

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: ”إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ”(مسلم) . فتأملوا هذا الأسلوبَ النبويَّ، فرغم أنَّ هذا الخطأَ كان من مبطلاتِ الصلاةِ، إلا أنه ﷺ لم يعنِّفْ صاحبَهُ، ولم يُوبِّخْهُ، إنما علَّمَهُ برفقٍ وأسلوبٍ حسنٍ.

ومنها: أسلوبُ التوبيخِ: فهذا أبو ذر عيَّرَ رجلًا بأمهِ فقال له النبيُّ ﷺ: ” يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ” (البخاري). وهذا يدلُّ على مشروعيةِ التأديبِ بالتوبيخِ، يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ: “وجهُ الاستدلالِ من الحديثِ على مشروعيةِ التأديبِ بالتوبيخ: أنّ النبيَّ ﷺ عذلَ أبا ذرٍ رضي الله عنه وأدبَهُ باللومِ والتأنيبِ، بقولِهِ: (إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ)، لأجلِ مقالتهِ للرجلِ، وتعييرِه إياهُ بأمهِ، فدلَّ ذلك على جواز مثلِ هذا النوعِ من التأديبِ”. ( فتح الباري) .

ومنها: أسلوبُ تحفيزِ الأذهانِ بالسؤالِ: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”(مسلم).

ومنها: أسلوبُ ضربِ الأمثالِ: ومن ذلك قولُ النَّبِيِّ ﷺ:” مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً”. ( متفق عليه ).

ومنها: أسلوبُ استخدامِ لغةِ الأرقامِ: فعَن أبي كبشةَ الأنماريِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ. فَأَمَّا الَّذِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: فَإِنَّهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ؛ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا ؛ وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ .”.(أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح). فالتعليمُ بلغةِ الأرقامِ فيه سهولةٌ ويسرٌ على المتعلمِ؛ وذلك بحفظِ الأعدادِ وتذكارِهَا ؛ ويدلُّ على ذلك قولُهُ ﷺ: ” ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ؛ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ “. ومن ذلك أيضًا قول الرسول ﷺ: ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ “( متفق عليه ) .

ومنها: أسلوبُ المزاحِ والمداعبةِ: فعن أنسٍ ـ رضي الله عنه ـ :” أن رجلًا أتَى النبيَّ ﷺ فقال يا رسولَ اللهِ : احملنِي ، قال النبيُّ ﷺ ـ إنّا حاملوكَ على ولدِ ناقةٍ ، قال : وما أصنعُ بولدِ الناقةِ ؟!، فقال النبيُّ ﷺ وهل تلدُ الإبلُ إلا النوق!؟” (رواه الترمذي ). فكان قولُهُ ﷺ مداعبةً للرجلِ ومزاحًا معه، وهو حقٌّ لا باطلَ؛ لأنّه كان لا يقولُ إلا صدقًا.

هذه هي الأساليبُ العلميةُ والتربويةُ والدعويةُ في مدرسةِ الحبيبِ محمدٍ ﷺ؛ وحريٌّ بالمعلمين والمعلماتِ والآباءِ والأمهاتِ ومَن يتولى هذه المهمةَ الشريفةَ، أنْ يقتفِيَ أثرَهُ ويهتدِيَ بهديهِ ﷺ ؛ ففيه الخيرُ كلُّ الخيرِ.

ثالثًا: وسائلُ وسُبلُ تحصيلِ العلمِ

هناكَ وسائلُ وسُبلٌ لتحصيلِ العلمِ – ولا سيما ونحن مقبلون على عام دراسي جديد – من أهم هذه الوسائل:

الإخلاصُ للهِ -عزَّ وجلَّ-: فالعلمُ عبادةٌ ولذلكَ يحتاجُ إلى إخلاصٍ، وكلُّ العباداتِ مّبْنَاهَا على الإخلاصِ، واللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. [البينة: 5]، ولذلكَ نحتاجُ في بدايةِ طلبِ العلمِ إلى الإخلاصِ، فعن أبي هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ – قالَ: قالَ ﷺ: “مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ”. (ابن ماجة بسند حسن).

 ومنها: الْقِرَاءَةُ وَصُحْبَةُ الْعُلَمَاءِ: ولا سيَّمَا أنَّ أوّلَ ما نزلَ مِن القرآنِ هو قولُهُ تعالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العَلَق: ١]. كمَا أنَّ صحبةَ أهلِ العلمِ شرفٌ ومنفعةٌ، قَالَ ﷺ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ» (متفق عليه). ورويَ أنَّ ابنَ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهمَا كَانَ يُلَازِمُ كِبَارَ الصَّحَابَةِ يَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: «كَيْفَ بَلَغْتَ هَذَا الْعِلْمَ وَأَنْتَ شَابٌّ؟» فَقَالَ: «بِلِسَانٍ سَؤُولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ» (مقدمة تفسير الطبري).

وهذَا أبُو هريرةَ  كَانَ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ مُلَازَمَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ: «كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَلْءَ بَطْنِي» (البخاري).

إِنَّ الْقِرَاءَةَ تُغَذِّي الْفِكْرَ، وَصُحْبَةَ الْعُلَمَاءِ تُصْقِلُ الْعُقُولَ، فَمَنْ جَلَسَ فِي رِيَاضِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَهَلَ مِنْ مَعِينِ الْعُلَمَاءِ، حَيِيَ قَلْبُهُ، وَقَوِيَ فِكْرُهُ، وَتَرَبَّى عَلَى النُّورِ الَّذِي بِهِ تُبْنَى الْحَضَارَاتُ وَتُصَانُ الْأُمَّةُ.

ومنها: التَّقْوَى وَالْبُعْدُ عَنِ الْمَعَاصِي: قالَ تعالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]، قال ابن مسعود رضي الله عنه: “إِنِّي لَأَحْسَبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَانَ يَعْلَمُهُ بِالْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا”. (الزهد – للإمام أحمد).

وما أجملَ قولَ الإمامِ الشافعِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ:

شَكَوتُ إِلى وَكِيعٍ سوءَ حِفظِي ……….. فَأرشَدنِي إِلى تَركِ المَعاصِي

وأخبرنِي بِأنَّ العلمَ نورٌ ………………  ونورُ اللّهِ لا يُهدَى لِعاصِي

ويقولُ ابنُ القيِّمِ: “المَعَاصِي تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ، فَإِذَا ضَعُفَ التَّعْظِيمُ ضَعُفَ الْعِلْمُ وَالْفِكْرُ”(الجواب الكافي).

إِنَّ التَّقْوَى لَيْسَتْ زِينَةً فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ، بَلْ هِيَ النُّورُ الَّذِي يُضِيءُ الْعَقْلَ، وَالصَّفَاءُ الَّذِي يَحْفَظُ الْفِكْرَ، فَالْمَعَاصِي حِجَابٌ غَلِيظٌ عَلَى الذِّهْنِ، وَالتَّقْوَى مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ، وَبِهَا يُفْتَحُ بَابُ الْفَهْمِ، وَتَسْتَنِيرُ مَسَالِكُ التَّفْكِيرِ.

ومنها : التَّدْوِينِ وَالْبَحْثِ: فالتَّدْوِينُ وَالْبَحْثُ هُمَا جَنَاحَا الْفِكْرِ، فَمَنْ اكْتَفَى بِالْحِفْظِ ضَاعَ عِلْمُهُ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحِفْظِ وَالتَّدْوِينِ بَقِيَ عِلْمُهُ لِلْأُمَّةِ، قالَ تعالَى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]. وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 4-5]. وقَالَ ﷺ: «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ» (الطبراني في الكبير، بسند صحيح). وَقَالَ أيضا ﷺ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» (الترمذي بسند صحيح). وقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُهُ، وَمَا حَفِظْتُهُ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ . وقال أيضا: «مَعَ الْمِحْبَرَةِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ» (مناقب أحمد).

وَقَالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ: «الْكِتَابَةُ مَعَ قِلَّةِ الْحِفْظِ أَبْلَغُ فِي الْعِلْمِ، مِنْ كَثْرَةِ الْحِفْظِ مَعَ تَرْكِ الْكِتَابَةِ». (تقييد العلم).

العلمُ صيدٌ والكتابةُ قيدُهُ  ………………     قيِّدْ صيودَكَ بالحبالِ الواثقَهْ

فمِن الحماقةِ أنْ تصيدَ غزالةً  …………… وتفكَّهَا بينَ الخلائِقِ طالقَهْ

فَبِالْقَلَمِ حُفِظَ الْوَحْيُ، وَبِالتَّدْوِينِ بُنِيَتِ الْحَضَارَةُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَبِالْكِتَابَةِ صَارَتْ عُقُولُ الْعُلَمَاءِ تَنْبِضُ عَبْرَ الْقُرُونِ.

نسألُ اللهَ أنْ يعلمَنَا ما ينفعُنَا، وأنْ يزيدَنَا علمًا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

اقرأ أيضا:

مفتي الجمهورية: ما يحدث في غزة جرح مفتوح في قلب العدالة الإنسانية

القدر الواجب على المسلم حفظه من القرآن الكريم.. دكتور على جمعة يوضح

كيف أحدد ساعة إجابة الدعاء يوم الجمعة؟.. دكتور شوقي علام يجيب

ذكر اسم شخص والدعاء له في الصلاة.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم

الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة 19 سبتمبر 2025م ـ 27 ربيع الأول 1447هـ

السيد الطنطاوي يكتب: الإنسان بين كاميرا الموبايل والكاميرا الإلهية!!

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف اليوم 12 سبتمبر 2025م ـ 20 ربيع الأول 1447هـ

خطبة الجمعة القادمة 20 ربيع الأول 1447هـ ـ 12 سبتمبر 2025م للشيخ خالد القط

بعنوان “اترك عند الناس أطيب الأثر”.. الأوقاف تصدر دليل زاد الأئمة لخطبة الجمعة 12 سبتمبر 2025م ـ 20 ربيع الأول 1447هـ

كيفية النداء لصلاتي الكسوف والخسوف.. دكتور شوقي علام يوضح

تعرف على كيفية صلاة خسوف القمر اليوم.. الإفتاء توضح

هل يجوز قضاء صلاة الكسوف أو الخسوف؟.. مفتي الجمهورية يوضح

مفتي الجمهورية: المولد النبوي بداية فجر جديد للبشرية

حكم جمع النقود بالمسجد بين خطبتي الجمعة الأولى والثانية.. الإفتاء ترد

دار الإفتاء ترد على من يحرمها: شراء وتوزيع حلاوة المولد حلال

صيام يوم المولد النبوي.. دكتور شوقي علام يوضح الحكم

حكم الذكر والابتهالات الجماعية.. دكتور علي جمعة يوضح

دكتور شوقي علام: قراءة القرآن للأموات بالمقابر ليست بدعة

الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية: التَّاتُّو حلال في حالتين فقط

مفتي الجمهورية: الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جائز شرعا

الرابط المختصر

search